هناك نوع من "فجوة في البيانات" في عمليات العديد من الشركات؛ إذ لا تعمل فِرق الإنتاج والتسويق والمبيعات ونجاح الزبائن بانسجام، ولا يتشاركون في البيانات عن دورة حياة الزبون فيما بينهم لاتخاذ القرارات. وفي حين أنَّه من المفهوم أنَّ قسم التسويق لا يرغب في قضاء وقت طويل بالتفاعل مع زبائن محتملين لن يشتروا أبداً، ولكن مع ذلك، فإنَّ التواصل بين الأقسام ما يزال متقطعاً، وعشوائياً في أحسن الأحوال.

هذه المشكلة منتشرة أكثر ممَّا قد تدرك، وهي أهم بكثير من أن نطلق عليها بسهولة "فجوة في البيانات"؛ عوضاً عن ذلك، فإنَّ المشكلة هي "التجزئة" (fragmentation)، وهي تؤثر في الشركات بكل أنواعها. في العديد من الشركات، تكون دورة حياة العميل مجزأة، ويكون كل قسم منفصل مسؤولاً عن استراتيجياته وتكتيكاته؛ إذ ينتج عن هذه التجزئة مقاييس متضاربة للنجاح وعدم الكفاءة وضياع فرص هائلة لإنتاج القيمة والاستفادة منها.

يُعَدُّ مجال "عمليات الإيرادات" (RevOps)، إطارَ عمل جديد نسبياً يهدف إلى ضمان أنَّ فِرق التسويق والمبيعات ونجاح الزبائن، كلها تعمل بتناسق؛ إذ إنَّ لذلك آثاراً عميقة في إدارة المنتج وتصميمه واستراتيجيته.

يمكن لقائد الأعمال التأكد من تطبيق عمليات الإيرادات بنجاح، والحفاظ على التوافق الذي ينتج عنه قيمة فعلية وأرباح ونمو، عبر الاعتماد على أساس قوي من التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي.

فيما يلي 4 طرائق تضمن بها التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي نجاح عمليات الإيرادات:

1. إنشاء مقاييس مشتركة

تقوم كل استراتيجية تحليلية ناجحة على قياس النتائج الهامة؛ إذ يحتاج قادة الأعمال إلى أن يسألوا أنفسهم: "ما هو المقياس الذي يقدم تغيُّره دليلاً على القيمة التي أنتجناها؟".

على سبيل المثال: إذا ضاعف قسم التسويق عدد الزبائن المحتملين الذين يرسلهم إلى قسم المبيعات؛ لكنَّ قسم المبيعات لم يعقد صفقات أكثر، فهذا يعني أنَّ قسم التسويق لم ينتج قيمة أكبر. وإذا أبرم فريق المبيعات صفقات أكثر بنسبة 10%؛ لكنَّ قيمة بقاء هؤلاء الزبائن الجدد (lifetime value) كانت منخفضة، فهذا يعني عدم تحقيق المبيعات قيمة أكبر بنسبة 10%؛ لذا تتطلب عمليات الإيرادات وجود مقاييس دقيقة ومتفق عليها، ومن ثمَّ تعمل جنباً إلى جنب مع التحليلات المتقدمة لضمان قياس المؤشرات الصحيحة.

2. توفير أساس قائم على الأدلة

في كثير من الأحيان، يتجادل قادة المبيعات والتسويق حول سبب الفشل في جذب عميل محتمل أو خسارة الصفقة، وقد يقولون إنَّ العميل المحتمل لم يكن مؤهلاً، أو إنَّ عملية انتقال المسؤوليات من قسم إلى التالي فشلت أو كانت المتابعة بطيئة للغاية.

يُغني الذكاء الاصطناعي عن هذا النقاش الذي يعقب وقوع المشكلة، والذي يكون غير مثمر في كثير من الأحيان؛ وذلك بواسطة توفير أساس من الأدلة الصارمة لتحديد ما نجح وما لم ينجح، وأين كانت الفجوات الحقيقية، وعبر استبعاد الحاجة إلى التخمين، وبهذا يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى إيجاد حلول حقيقية مباشرةً؛ لأنَّ القادة لم يعُد بإمكانهم إلقاء اللوم على "صوامع البيانات" (siloed data) وعدم توافق الأهداف.

3. تحليل معلومات دورة حياة العميل

عندما تعمل الأقسام بشكل منفصل عن بعضها، ستتمكن من استعمال أدوات التحليل المتقدمة والذكاء الاصطناعي لاكتشاف التوجهات السائدة، وتحقيق أهداف أقسامها المحددة فحسب.

على سبيل المثال: يمكن أن يؤدي تضمين الذكاء الاصطناعي في قسم التسويق وحده إلى تحسين نتائج التسويق في أحسن الأحوال، مثل الزبائن المحتملين الذين تجذبهم أو عائد الاستثمار لحملات التمويل، أو قد تساعد التحليلات المتقدمة فريق المبيعات على تحسين توزيع المناطق أو العملاء على الباعة أو فِرق المبيعات، أو تحديد الأهداف أو عمليات المبيعات؛ لكنَّ هذا التفكير الذي يركز على الفوائد التي تعود على قسم محدد وحسب، يكون محدوداً.

تؤثر نشاطات المبيعات في الشركة ككل، وليس في فريق المبيعات فحسب، ولحسن الحظ، تسمح التحليلات المتقدمة وأدوات الذكاء الاصطناعي للشركات باستكشاف العلاقات على مستوى الشركة بسهولة نسبياً، وعندما تستعمل الشركات عمليات الإيرادات والذكاء الاصطناعي للكشف عن المعلومات خلال دورة حياة الزبون، ستتمكن من تخصيص مواردها لتحسين أهم النتائج على مستوى الشركة، وليس أهداف قسم محدد فحسب.

4. اتخاذ خطوات صغيرة لتحقيق فوائد كبيرة

من خلال تحسين التناسق بين الأقسام، يمكن أن تؤدي عمليات الإيرادات إلى مكاسب كبيرة حتى لو اقتصرت على تحسينات صغيرة داخل وبين الأقسام.

على سبيل المثال: خلال مراحل مسار قِمع المبيعات، يجذب قسم التسويق زبائن محتملين يوزَّعون على مندوبي المبيعات الذين يدخلونهم في قِمع المبيعات، والذي ينتهي بعقد الصفقات التي تحوِّلهم إلى زبائن مخلصين على الأمد الطويل.

وخلال هذه العملية، فإنّ مجرد تحسُّن بنسبة 3% فقط في كل مرحلة نتيجة تحسين التوافق بين الأقسام، سيؤدي إلى نتائج متراكمة تساوي تحسُّناً بنسبة 16% في دورة الحياة الإجمالية، كما يمكن أن تحسِّن عمليات الإيرادات مع الذكاء الاصطناعي النتيجة النهائية أكثر بكثير؛ لأنَّ الذكاء الاصطناعي يساعد المديرين على اتخاذ قرارين حاسمين؛ القرار الأول، هو أين يجب أن ينفقوا مواردهم، أي ما أفضل طريقة لجذب الزبائن ذوي القيمة العالية وكسب ولائهم بأفضل طريقة.

أمَّا القرار الثاني، فهو أين يجب ألَّا ينفقوا مواردهم؛ أي كيفية تحديد الزبائن الذين ستفوق تكلفة خدمتهم قيمتهم، وحتى عندما يكون التغيير في تخصيص الموارد صغيراً جداً على أساس كل عميل، يمكن أن تؤدي النتائج الإجمالية إلى زيادات كبيرة في الأرباح.

تُعَدُّ عمليات الإيرادات طريقة هامة بالنسبة إلى الشركات لضمان تنسيق جميع نشاطاتها المربحة، فضلاً عن أنَّها تعمل على تحقيق أهداف تنظيمية مشتركة، ثم إنَّه مع الذكاء الاصطناعي، تصبح إمكانات عمليات الإيرادات أقوى، ويتحسن التنسيق وتقل التكاليف، ويمكن تعزيز تجربة الزبائن وتوجيه الموارد لتحقيق الأهداف النهائية للشركة.