بما أن التعلّم السريع هو تعلم "طبيعي"، فإن جذوره تعود إلى تقاليد التعليم القديمة. التعلّم السريع هو ببساطة الطريقة التي يتعلم بها أي طفل منذ ولادته. ولكن إذا أردنا الحديث عن ثورة التعلّم السريع الحديثة، وخصوصاً فيما يتعلق بالتعلم كمهنة ذات هيكلية وبعالم التدريب في الثقافة الغربية، يمكن القول أن التعلّم السريع بزغ في النصف الثاني من القرن العشرين، مستقياً بداياته من مجموعة من التجارب التي حصلت خلال هذه السنوات الخمسين.
ظهر في العام 1970 كتاب "التعلم الخارق". ناقش هذا الكتاب الدراسة التي قام بها عالم النفس البلغاري جورجي لوزانوف. كان هذا الكتاب موضع اهتمام الكثير من المربّين والعاملين في مجال التدريب، الباحثين عن طرق أكثر فعالية في التعليم. قام لوزانوف باستخدام مقاربة مختلفة للتعامل مع مرضاه النفسيين. قام باستخدام موسيقى الباروك لتهدئة أعصابهم أثناء وجودهم في مكتبه، وشارك ذلك مع تقديم أفكار إيجابية عن شفائهم. لقد نجحت هذه الإجراءات البسيطة في تسهيل حدوث تقدُّم ملحوظ في حالة الكثيرين منهم. قال لوزانوف أنه قد تمكن من الوصول إلى شيء ما في عمق العقل لا يصل إليه الإدراك والوعي البسيط. سمى لوزانوف هذه الفكرة "باحتياطي الدماغ المخفي."
شعر لوزانوف أن بإمكانه استخدام هذه المقاربة في التعليم أيضاً، فقام بدعم من الحكومة البلغارية بإجراء بحث حول تأثير الموسيقى والأفكار الإيجابية على التعليم مستخدماً تعلُّمَ لغةٍ أجنبية كمثال. خَلُصت تلك الدراسة إلى أن استخدام مزيج متقن من الموسيقى والأفكار الإيجابية والألعاب التي تشبه إلى حد ما لعب الأطفال قد سرع عملية التعلم إلى درجة كبيرة وزاد الناتج العام بشكل ملحوظ. لقد أوقدت نتائج هذا البحث مخيلة مُدرسي اللغة والكثير من محترفي التعليم خارج المدارس الرسمية في أنحاء العالم.
قام دون شستر من جامعة ولاية أيوا، وكل من راي بوردون وتشارلز غريتن خلال السبعينات بتطبيق هذه الأفكار على التعليم المدرسي والجامعي، وكانت النتائج إيجابية. بناء على ذلك، قام هؤلاء ومجموعة أخرى من العاملين في مجال التعليم بتأسيس ما سمي بجمعية التدريس والتعلم المتسارع (SALT)، والتي بدأت بعقد مؤتمرات سنوية في الولايات المتحدة جذبت إليها أساتذة جامعات ومدرسي مدارس ثانوية ومختلف محترفي التدريس من جميع أنحاء العالم. بلغ عمر هذه الجمعية الآن أكثر من خمس وعشرين سنة، وقد أعادت تسمية نفسها لتصبح: التحالف الدولي للتعلم (IAL) ولا تزال تقوم بعقد المؤتمرات في الولايات المتحدة والتي يشارك فيها محترفون من جميع أنحاء العالم. وهنالك جمعية مشابهة في بريطانيا تطلق على نفسها اسم جمعية التعلم المؤثِّر الفعال (S.E.A.L)، وفي ألمانيا شكل بعض ممارسي التعلم "السريع" ما أُطلق عليه اسم الجمعية الألمانية للتعلم التجريبي (D.S.G.L). وفي العالم العربي تم تأسيس مركز دبي للتعلّم السريع (DALC).
بعض الروافد الأخرى لتيار التعلّم السريع: لعبت مجموعة كبيرة من الفلسفات والطرائق والتطبيقات دوراً في تطور فكرة التعلّم السريع. فيما يلي بعض هذه العوامل ذات الأثر التاريخي في هذا المجال:
- لقد نقض التطور المعرفي الحديث، وخصوصاً فيما يتعلق بالدماغ والتعلم، الكثير من مسلمات أساليب التعليم القديمة. إذ ثبت خطأ النظرية القائلة أن التعلم هو مجرد عملية شفهية و"معرفية" وتحتاج جهداً عقلياً بحتاً. وضحت الدراسات الحديثة أن التعلم يشمل حتى المشاعر، ويحتاج جهداً شاملاً لكامل الجسد والحواس وأبعاد الشخصية، وهو ما كان لوزانوف قد سماه "احتياطي الدماغ المخفي".
- أثبتت أبحاث التعلم الحديثة استحالة وجود نموذج تعليمي واحد قابل للتطبيق في كل الحالات. يختلف الناس في طريقة استجابتهم للتعليم، وبالتالي لا بد من تنوع وسائل التعليم ومقارباته، وهو ما يمثل التحدي الأكبر أمام هيكلية التعليم القديمة القائمة على الترتيب والخطط المسبقة.
- إن التطور المتدرج (وإن لم يبلغ مبتغاه بعد) من ثقافة ذكورية إلى ثقافة أكثر تشاركيةً وتوازناً قد فتح الباب أمام مقاربة أقرب إلى اللطف والعمل المشترك للتعليم.
- فتح تراجع السلوكية كسيكولوجية وحيدة الباب أمام نظرة أكثر إنسانية وأكثر كلية في فهم التعليم وممارسته. إن الطبيعة الديناميكية دائمة التغيُّر لبيئة العمل وثقافتها تثبت يوماً بعد يوم شلل طرق التعليم التقليدية التي نتَّبعها اليوم، وتثبت أهمية الوصول إلى مقاربات أحدث وأكثر فعالية.
عن ماير بتصرف