طوَّر السير جون ويتمور (Sir John Whitmore) نموذج جرو (GROW) بالاشتراك مع زملائه في الثمانينيات؛ حيث انتشر من خلال كتابه "الكوتشينغ من أجل الأداء" (Coaching for Performance)'' الذي نُشر لأول مرة في عام 1992، والآن طُبعت منه النسخة الخامسة والعشرون بعد أن تُرجم إلى 20 لغة.
يوفر نموذج "جرو" إطار عمل لجلسة كوتشينغ أو نقاش أو اجتماع أو مشروع، وهو أفضل نموذج كوتشينغ معروف في العالم في يومنا هذا:
الهدف (Goal): ما الذي نريد تحقيقه بحلول نهاية هذا الاجتماع؟
الواقع (Reality): ما الذي يحدث الآن؟ وما هي الموارد المتوفرة لدينا أو التي نحتاجها؟
الخيارات (Options): ما الأفكار التي يمكننا التوصُّل إليها لتحقيق هدفنا؟
الإرادة (Will): ما هي التزاماتنا، ومن سيفي بها، ومتى؟
يوضح تسلسل "جرو" تركيز الكوتشينغ على الحل، وسنستعرض كل نقطة على حدة فيما يلي:
1. الهدف (Goal)
يتطرق الكوتش إلى قسم الهدف من نموذج "جرو" في بداية كل جلسة ويُشير إليه من وقت لآخر للحفاظ على التركيز، خاصةً في حال تعثر المتدرب (أو مُتلقي الكوتشينغ)؛ إذ يساعد تحديد الهدف على تعزيز الطاقة وتوضيح التفكير؛ وذلك لأنَّ تحديد ما نرغب به يرشدنا إلى طريق تحقيقه من خلال التركيز على الحل بدلاً من المشكلة.
إليك بعض الأسئلة المرتبطة بالهدف:
- ماذا تريد؟
- ما هو الإطار الزمني؟
- أين تريد أن تكون على مقياس من 1 إلى 10؟
- تخيل أنَّك حققت النجاح:
- كيف يبدو النجاح؟
- ما هو شعورك؟
- ماذا يقول الناس لك؟
- ما هي المنافع التي اكتسبتها؟
- ما الذي تريد تحقيقه خلال خمس سنوات/ سنة واحدة/ ثلاثة أشهر؟
- كيف يمكنك أن تصف هدفك في بضع كلمات؟
- أي جزء من هدفك يمثِّل تركيزك الحقيقي؟
- كيف ستعرف أنَّك حققت الهدف؟
- ما الذي ترغب في تحقيقه حقاً في ظل عالم مثالي؟
2. الواقع (Reality)
يستكشف الكوتش في هذه المرحلة عالم المتدرب في الوقت الحالي، ويقدم له رؤية واضحة عما يحدث وكيف يؤثر ذلك فيه وفي الآخرين، ويوفر فرصة لعرض المشكلات من وجهات نظر مختلفة.
إليك فيما يلي بعض الأسئلة المفيدة:
- ماذا يحدث في الوقت الحالي؟
- ما أهمية هذا بالنسبة إليك؟
- إذا كان الوضع المثالي هو 10 على مقياس من 1 - 10، فأين تضع نفسك على هذا المقياس؟
- ما هو تأثير ذلك عليك/ كيف تشعر؟
- ماذا فعلت حتى الآن؟
- فيمن يؤثر هذا أيضاً؟
- ما الذي تفعله لتحقيق هدفك؟
- ما الذي تفعله ويعيق تحقيق هدفك؟
كان تيم غالوي (Tim Gallwey)، مؤلف سلسلة كتب "اللعبة الداخلية" (Inner Game)، أحد السبَّاقين إلى عالم الكوتشينغ، فقد كان أحد اكتشافاته الرئيسة أنَّه إذا طلب من المتدربين "مراقبة الكرة" فإنَّهم يتوترون وتنخفض جودة أدائهم، ولكن إذا طلب منهم حساب عدد مرات دوران الكرة في أثناء مرورها فوق الشبكة، أو كم سنتيميتراً ارتفعت فوق الشبكة، فإنَّ تسديداتهم تتحسن تحسناً ملحوظاً.
لا تهم هذه القياسات من الناحية التقنية، لكنَّ عملية التركيز على التفاصيل لها تأثير مزدوج يتمثل في إجبار المتدرب على مراقبة الكرة، وإيقاف "الثرثرة" الداخلية، مثل "لقد فشلت من قبل"، أو "لا يمكنني تسديد الكرة أبداً".
إنَّ استكشاف الواقع الحالي هو أحد الممارسات التي تُميز الكوتشينغ عن المحادثة العادية؛ حيث نميل إلى الانتقال مباشرة من الماضي إلى المستقبل، على سبيل المثال، الانتقال من جملة:
"قال إنَّني كنت أتأخر دائماً؛ فقلت إنَّ هذا غير صحيح، فقال إنَّني غير جدير بالثقة" إلى جملة: "سأستقيل".
في العبارتين أعلاه، ينتقل المتحدث من الحديث عن أعباء الماضي مباشرةً إلى اتخاذ قرار حازم بشأن المستقبل، تُمكِّن الأسئلة المرتبطة بالواقع (إلى جانب الأسئلة المرتبطة بالهدف، والتي يمكن عدُّها "واقعاً مستقبلياً") المتدربين من تجنُّب الارتباك، واكتساب بعض وجهات النظر الجديدة، واتخاذ قرارات هادئة ومدروسة حول كيفية المضي قدماً.
قد يكون من الصعب في البداية استكشاف الواقع الحالي، ويميل الكوتشز الجدد إلى الانتقال مباشرة إلى مرحلة الخيارات أو الإجراءات في نموذج "جرو"، إلا أنَّ القيام بذلك دون استكشاف أهداف وواقع المتدرب قد يؤدي إلى إجابته بـ "لا أعرف ماذا أفعل، ولهذا السبب أنا هنا".
تساعد كل هذه الأسئلة المتدربين على التعمق في الإدراك؛ حيث يُظهرون علامات الطاقة والحيوية، مثل: نبرة الصوت المبتهجة، ولمعة العين، والتَّبسُّم، ووضعية جلوس أكثر استقامة، وهذا هو الوقت المناسب لتثبيت الأفكار الجديدة في قسم الخيارات والإجراءات من النموذج، ومن المحتمل أن يبدأ المتدربون تلقائياً بحلول هذا الوقت باتخاذ الإجراءات حيث كانوا متعثرين من قبل.
لاحظ أنَّنا نستكشف الحاضر، وعلى الرغم من أنَّنا قد نسأل عما فعله شخص ما حتى الآن، إلا أنَّنا لا نتحدث عن الماضي أو نستمع إلى قصص عنه؛ بل نركز على ما يعنيه الموقف للمتدرب أكثر من التركيز على الحقائق، وكذلك لا نطرح أسئلة لمعرفة ما حدث، ولكن لمعرفة تأثير ذلك في عمل و/أو حياة المتدرب.
عندما يصل المتدرب إلى رؤية جديدة أو مستوى فهْم جديد، فمن الحكمة استكشاف الواقع الجديد لترسيخ الوعي الجديد وإعادة النظر في الهدف، ومن المحتمل ظهور هدف أو اتجاه جديد، ومن ثم يبدأ تسلسل "الخيارات" و "الإرادة" مرة أخرى.
عندما يصل المتدرب إلى رؤية جديدة، تكون هذه الأسئلة مفيدة:
- ما الذي تعرفه الآن ولم تكن تعرفه من قبل؟
- ما هي رؤيتك حول ذلك؟
- ماذا تعلَّمت عن نفسك من ذلك؟
- في أي مكان آخر يمكنك استخدام ذلك؟
3. الخيارات (Options)
سينتقل المتدربون انتقالاً طبيعياً إلى مرحلة الخيارات بعد أن أصبح واقعهم أكثر وضوحاً، وغالباً ما يُظهِرون طاقة جديدة من خلال الاعتدال في وضعية جلوسهم والابتسام، أو اتخاذ نبرة صوت أخف، ومن المفيد طرح بعض هذه الأسئلة:
- ما هي خياراتك؟
- ماذا يمكنك أن تفعل؟
- ماذا بَعد؟
- إذا كان هناك أي شيء آخر، فما هو؟
- ما الذي نجح في الماضي؟
- ما هي الخطوات التي يمكنك اتخاذها؟
- من يمكنه مساعدتك في هذا؟
- أين يمكنك العثور على المعلومات؟
- ماذا يمكن أن يفعل شخص آخر في مكانك؟
- تخيل أنَّك حققت هدفك، انظر إلى المراحل التي قطعتها ووضِّح كيف وصلت إلى هنا.
لاحظ أنَّ معظم هذه الأسئلة تقريباً مفتوحة؛ لذا استمر في طرح الأسئلة المفتوحة حتى يتوقف المتدرب عن طرح الخيارات، وبمجرد أن يبدو أنَّ القائمة اكتملت، اطرح السؤال المغلق التالي: "هل هناك أي شيء آخر؟" لمعرفة ما إذا كان الوقت قد حان لإنهاء العملية، وغالباً ما ينتج عن هذا السؤال خيارات جديدة ويمكن طرحه مرات عديدة طالما أنَّه يُقدِّم نتائج جديدة.
الهدف من الأسئلة التالية هو الحصول على مزيد من المعلومات، ولكي لا ترتكب خطأ الكوتشينغ المتمثل في "قيادة" المتدرب، يجب استخدامها فقط عندما يُثير المتدرب الموضوع المعني، على سبيل المثال:
المتدرب: أحتاج إلى بعض المساعدة.
الكوتش: من يمكنه مساعدتك في هذا؟
المتدرب: أنا بحاجة إلى مزيد من المعلومات.
الكوتش: أين يمكنك الحصول على مزيد من المعلومات؟
4. الإرادة (Will)
على عكس "الخيارات"، التي تسلط الضوء على جميع الاحتمالات، فإنَّ "الإرادة" تدور حول اكتشاف الإجراءات التي يمكن للمستفيد الالتزام بها، فعندما يُسأل: "ماذا ستفعل حيال ذلك؟" هناك خطر يتمثل في أن يعُدَّ المتدرب قائمة بما يعتقد أنَّه يجب عليه القيام به، بدلاً من اختيار المسار الذي يناسب مواهبه وطرائق سلوكه.
وخير مثال على ذلك هو عندما يلتزم المرء بالانضمام إلى صالة الألعاب الرياضية؛ وذلك لأنَّه يريد تخفيف وزنه؛ ولكنَّه إذا لم يحضر أبداً لأنَّه يكره الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، فإنَّه سيستفيد أكثر من الالتزام بالمشي كل صباح إذا كان هذا شيئاً ممتعاً بالنسبة إليه.
إليك بعض الأمثلة على أسئلة الإرادة:
- ماذا ستفعل حيال ذلك؟
- كيف ستفعل ذلك؟
- متى؟
- ما الذي يتطلَّبه الالتزام بهذا الإجراء؟
- ما الذي يمكنك فعله لتصبح أكثر التزاماً؟
- هل يمكنك فعل المزيد؟
- ما العدد؟
- ما المقدار؟
- كم مرة؟
- أين ستجد ذلك؟
- إلى من ستتحدث؟
- ماذا يمكنك أن تفعل أيضاً؟
إذا شعر الكوتش بقلة الالتزام، فسؤال مثل: "ما مدى التزامك بفعل ذلك؟" يجب أن يُطرح مباشرةً، وإذا شعروا بأي تردد، فمن الأفضل العودة إلى عملية "جرو" لتفادي أي عقبات وإيجاد الطريقة الأكثر راحة للمضي قدماً.
مرونة نموذج "جرو"
من الهام أن نفهم أنَّ مكونات نموذج "جرو" لا تتبع هذا الترتيب بالضرورة؛ حيث تبدأ محادثة الكوتشينغ الفعَّالة عادةً باستكشاف الهدف والواقع، ولكن بعد ذلك لك كامل الحرية بالتنقل بين جميع العناصر الأربعة:
منذ صياغة نموذج "جرو"، كان هناك بعض الاختلاف في تفسير معنى الحرف الأخير منه في اللغة الإنجليزية "W"، ففي بعض الأحيان ترمز إلى "الإنهاء" (wrap up) أو "المضي قدماً" (way forward)، أو "ما هي الإجراءات التي ستتخذها؟" (what actions will you take)، لكنَّ "السير جون ويتمور" (Sir John Whitmore) كان واضحاً في شرحه أنَّ "W" تُمثل "الإرادة" (Will) بمعنى امتلاك إرادة الالتزام، وأنَّ هذا التفسير جزء هام من النموذج.
كما أنَّه كان قلقاً أيضاً من اتباع الناس هذا النموذج بحذافيره، فهو مجرد إطار عمل لتوفير الوعي حول أي نوع من الأسئلة سيكون أكثر إنتاجية، من حيث التطلعات المستقبلية أو الواقع الحالي أو الخطوات التالية؛ حيث يكون توقيت سؤال الكوتش في هذا الإطار عادة أكثر أهمية من السؤال نفسه.
تُحفِّز أسئلة الهدف الطاقة، وتوفر أسئلة الواقع الوضوح، وتحوِّل أسئلة الخيارات والإجراءات الأفكار إلى إنجازات.