غالباً ما يتغاضى مديرو البرنامج عن قياس نتائج التدريب رغم أنَّه مكوِّن حاسم في عملية التدريب، ولكن إن كنت قد بحثت في تقييم التدريب أو تحسين أسلوبك الحالي في التدريب، فلا شك أنَّك اطَّلعت على نموذج كيركباتريك (Kirkpatrick).
أمَّا في حال لم تطَّلع عليه، فإليك نظرة سريعة عنه:
هناك أربعة مستويات من التقييم في نموذج "كيركباتريك"، وكل مستوى يوفِّر معلومات لمديري البرامج تدريجياً عن مدى نجاح الجلسات أو المبادرات التدريبية.
المستوى الأول: ردود الفعل
في مستوى ردود الفعل، تتمثل مهمتك في تقييم استجابة المتعلِّمين، ولا سيما شعورهم تجاه التدريب.
المستوى الثاني: التعلُّم
في هذا المستوى، تحتاج إلى قياس مدى فاعلية استيعاب المتعلِّمين للمعلومات، وعادةً يحدث ذلك من خلال الاختبار.
المستوى الثالث: السلوك
في هذا المستوى، تقيس درجة تأثير تدريبك في سلوك المشاركين، وكيف يُطبِّقون المعلومات الجديدة في وظائفهم.
المستوى الرابع: النتائج
في هذا المستوى، تقيس تأثير جلسات التدريب في مستوى الشركة، وتحصل على إحساس واضح بعائد الاستثمار من برنامج التدريب.
البدء من النهاية
عندما تسافر براً، فأنت لا تركب سيارتك وتبدأ القيادة وتأمل أن تصل إلى وجهتك؛ بل تحدد وجهتك أولاً، وتضع خطة بشأن كيفية الوصول إلى وجهتك، والمكان الذي ستمكث فيه، وما ستفعله عندما تصل إلى هناك.
يجب أن يكون التدريب بالطريقة نفسها؛ إذ ليس من المجدي إطلاق برنامج دون مواءمة تدريبك أولاً مع النتيجة المرجوة، كما يجب أن تكون النتيجة التي تحددها مرتبطة بهدف الشركة بطريقة ما؛ فسواء كان الهدف الاحتفاظ بالموظفين أم تنمية المبيعات، حدِّد المكان الذي تريد أن تكون فيه لتصبح مستعداً لوضع خطة تساعدك على الوصول إلى هناك.
تحديد السلوك الذي تريد تغييره
بعد تحديد النتيجة التي تريدها، تبدأ الخطوة التالية بتحديد السلوكات التي ستؤثر في تلك النتيجة.
بفرض أنَّك تريد زيادة الاحتفاظ بالعملاء؛ فما هي السلوكات التي تعتقد أنَّها ستُسهم في زيادة الاحتفاظ بهم؟ ربما تعتقد أنَّ الموظفين بحاجة إلى القيام بمزيد من الإيماءات الصغيرة والمدروسة لمساعدة العملاء على الشعور بالتقدير، أو ربما يحتاج العملاء إلى مزيد من التدريب على المنتج حتى يتمكنوا من نَيل قيمة أكبر من خلال الحل الذي تقدِّمه؛ لذا اعمل مع المديرين والمساهمين لتحديد التغييرات السلوكية، واعلم أنَّ الطريقة الوحيدة لتحقيق النتيجة المرجوة هي تحديد وتغيير السلوكات التي تؤثر في نتائجك.
إعداد مبادرة تدريب متسقة مع التغييرات السلوكية والنتائج المرجوة
إن لم تلاحظ بعد، فنحن نستعرض مستويات تقييم نموذج "كيركباتريك" عرضاً عكسياً، إذ بدأنا بالنتائج في المستوى الرابع، ثم انتقلنا إلى السلوك في المستوى الثالث، والآن حان دور التعلُّم في المستوى الثاني.
في هذا المستوى، سوف تحدد التدريب والموارد التي يمكنك تجميعها لتغيير السلوك الذي يؤثر في النتيجة؛ لذا عليك أن تطرح السؤال التالي: ما هي استراتيجية التعلُّم الأكثر منطقية؟ فيديو فقط؟ أم التدريب في أثناء العمل؟ أم مزيج من المحتوى بقيادة مدرِّب والمحتوى عبر الإنترنت؟
يُفضَّل اعتماد استراتيجية بعد تحديد سبب اختيارك لها.
تحديد كيفية قياس ردود الفعل
الخطوة الأخيرة من مرحلة التخطيط هي تحديد كيفية قياس ردود الفعل على تدريبك، وأسهل طريقة للقيام بذلك هي من خلال الاختبار، ولكن يمكنك أيضاً استخدام طرائق جمع البيانات مثل الاستطلاعات أو المقابلات؛ فاختر نهجاً يناسب استراتيجيتك في التعلُّم.
تنفيذ نموذج "كيركباتريك" خطوة بخطوة
لا يُعدُّ نموذج "كيركباتريك" طريقة لتقييم التدريب فحسب؛ بل إطار عمل يمكنك استخدامه لتوجيه عملية التدريب، وتعديل مبادرات التدريب بناءً على البيانات الحقيقية التي لديك.
الآن بعد أن استخدمت نموذج "كيركباتريك" لإعداد خطة التدريب، فإنَّ الخطوة التالية هي تنفيذ تلك الخطة
إليك بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند قياس ردود الفعل وتسجيلها:
- تُعدُّ الاستطلاعات والمقابلات طريقة جيدة لاستكشاف ردود الفعل، ولكن تأكد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنُّب التحيُّز؛ على سبيل المثال، قد يضطر الموظفون إلى الثناء على التدريب إن لم تكن هويتهم مجهولة.
- عدم إبداء الموظفين آراء إيجابية حول التدريب لا يعني أنَّه غير فعَّال؛ لذا استمر في قياس النتائج.
بعد ذلك، نقيس جودة احتفاظ الموظفين بما تعلَّموه، ويمكننا القيام بذلك من خلال التقييم؛ فكلما كان أداء الموظفين أفضل في تقييم ما بعد التدريب ومبادرات التعزيز، ازدادت فاعلية تدريبك.
قد يكون قياس التعلُّم أمراً صعباً، ولكن إليك بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند تعاملك مع هذه الخطوة:
- قبل تنفيذ التدريب، حدِّد نقاط التعلُّم الرئيسة التي تعتقد أنَّها ستؤدي إلى تغيير السلوك.
- ركِّز عملية الاختبار حول فهم نقاط التعلُّم الرئيسة هذه، ولا تركز على حفظ التفاصيل غير الجوهرية إن لم تكن هامة على الأمد الطويل.
- تتعلق مرحلة التعلُّم بإحداث تغيير في سلوك المتعلِّمين.
في المستوى الثالث من تقييم التدريب، يمكنك إلقاء نظرة على التغييرات السلوكية التي حدثت نتيجة تدريبك؛ إذ يُقاس التعلُّم قياساً أساسياً بالملاحظة، ويجب إجراء نقاش مع المساهمين حول التغييرات السلوكية التي تأمل في تحقيقها، وكيفية مراقبتها في مرحلة التخطيط.
ضع هذه الأمور في الحسبان عند قياس التغييرات السلوكية:
- اعمل مع المساهمين، وعلِّمهم تحديد ومراقبة وتسجيل السلوكات التي تريد تغييرها قبل التدريب وبعده.
- يجب أن يؤدي تغيير السلوك - من الناحية المثالية - إلى تغيير النتيجة، وإذا لم يحدث ذلك؛ فلعلَّك حدَّدت السلوك الخاطئ.
هنا يبدأ نموذج "كيركباتريك" بالتألق؛ حيث يوِّفر تغذية راجعة آنية لعملية التدريب. وإذا لم تحدُث تغييرات في السلوك، لكنَّ نتائج الاختبارات تشير إلى أنَّ التدريب كان فعالاً، فلك الحق أن تستنتج أنَّ المزيد من التدريب ضروري، أو قد يكون التدريب أفضل عند مواءمته مع تغيير السلوك.
على الرغم من أنَّ نموذج "كيركباتريك" لن يمنحك تشخيصاً دقيقاً للمشكلات في برنامج التدريب، إلا أنَّه سيساعدك على تحديد مواطن الخلل.
أخيراً، في المستوى الرابع، يمكنك قياس النتائج
استخدم المعايير نفسها التي استخدمتها قبل التدريب وقارن النتائج؛ فمع التحليل الكافي، يمكنك الحصول على معلومات موثوقة ودقيقة عن عائد الاستثمار في المستوى الرابع.
دراسة حالة باستخدام نموذج "كيركباتريك"
إليك دراسة حالة مفيدة، حتى تستطيع أن ترى كيف يُطبَّق نموذج "كيركباتريك" عمليَّاً، اتبع هذا المثال، وستكون لديك فكرة أفضل عن كيفية التعامل مع برنامجك التدريبي مع أخذ القياس وعائد الاستثمار في الاعتبار. في مرحلة التخطيط، نستخدم نموذج "كيركباتريك" استخداماً معكوساً بحيث نبدأ من النهاية؛ أي بتحديد النتائج التي نريد تحقيقها.
في دراسة الحالة التي أجرتها إحدى المؤسسات، لم تكن إيراداتها تزيد بالمعدل الذي ترغب به، والآن تريد زيادة إيرادات المبيعات؛ إذاً لدى المؤسسة فكرة واضحة عن النتيجة التي تتطلع إلى تحقيقها، وهي: زيادة كبيرة (أكثر من 10٪) في معدل نمو الإيرادات الجديدة.
بعد ذلك، يجب أن تحدد السلوك الذي يجب تغييره قبل أن تحقق النتيجة المرجوة، ولتحديد هذا السلوك، تحدثت إلى قادة المبيعات، وسألت عن مؤشرات الأداء الرئيسة التي يستخدمونها لتتبُّع النجاح، وما اكتشفته أنَّ وكلاء المبيعات يُبرمون الصفقات بالسعر الذي تريده ويغلقونها بالسرعة المطلوبة، ومع ذلك فهُم لا يُجرون محادثات كافية مع العملاء المحتملين المؤهلين.
بعد مناقشة المشكلة مع بعض مندوبي وقادة المبيعات المميزين، قررت أنَّ مندوبي المبيعات بحاجة إلى تعلُّم كيفية تأهيل العملاء المحتملين بشكل أفضل، حتى تتمكن من زيادة عدد محادثات المبيعات التي يُجريها المندوب العادي.
السلوك الذي حددَّتُه في هذه الخطوة هو تحسين الطريقة التي يؤهِّل بها مندوبو المبيعات العملاء المحتملين عبر الهاتف، ومؤشرات الأداء الرئيسة لهذا السلوك هي طول المحادثات وجودتها وعدد العملاء المحتملين الذين أقنعتهم خلال عملية المبيعات، وبعد ذلك يتطلب نموذج "كيركباتريك" تحديد التعلُّم الذي يرتبط بالسلوك الذي تحاول المؤسسة تغييره.
أصبح لديها الآن منهج للتطوير، وطوَّرت نهجاً مختلطاً لتعليم هذه المهارات الجديدة لمندوبي المبيعات؛ وبذلك يبقى لديها خطوة واحدة فقط قبل الاستعداد لحدث التدريب، وهي قياس ردود الفعل من خلال الاستطلاعات والمقابلات، ثم تبدأ التدريب وتُنفِّذ الخطة التي وضعتها في مرحلة التعلُّم، وتستخدم نموذج "كيركباتريك" لقياس النتائج.
في الختام
يساعدك نموذج "كيركباتريك" في تحديد التغييرات في مؤسستك وإعداد التقارير عنها، فهو إطار عمل مثبت يجب اتباعه لتقييم التدريب، ومن خلال اتباعه، يمكنك تحسين طريقة التخطيط له وتنفيذه وقياسه، كما يمكنك أيضاً قياس عائد الاستثمار من التدريب بدقة وموثوقية باستخدام البيانات الصحيحة.