في عصر يفوق فيه عدد الأجهزة المحمولة الذي يصل إلى 7.5 مليار جهاز عدد البشر الذي هو نحو 7.3 مليار إنسان، أصبح التسويق بواسطة الأجهزة المحمولة ضرورة بالنسبة إلى العلامات التجارية التي ترغب في التواصل مع المستهلكين، في أي وقت كان عبر القناة التي يفضِّلونها.
وفقاً لشركة "كومسكور" (Comscore) يمثل إجمالي النشاط من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية 60% من استهلاك الوسائط الرقمية في الولايات المتحدة، وتمثل أجهزة الحاسوب نسبة 40%، وتحدث نسبة 52% من النشاط عبر تطبيقات الأجهزة المحمولة.
يفتح هذا التحول الهائل في سلوك المستهلك فرصاً لا تُحصى لتسويق العلامة التجارية، تشمل الإعلان وتحسين الوسائط المكتسبة وتطوير التطبيقات وغيرها، وفي حين أنَّ كل هذه الأخبار تبدو سارة من الناحية النظرية، لكن ما تزال الشركات معظمها لا تعرف كيفية استثمار ثورة الهاتف المحمول هذه، وهذا على الأرجح سبب افتقارها إلى استراتيجية واضحة للأجهزة المحمولة.
كان تحسين الهاتف المحمول سابقاً يعني ضمان استجابة المواقع الإلكترونية على الأجهزة المحمولة، وما يزال هاماً حتى الآن، ولكنَّ هناك عناصرَ أخرى عدة يجب العمل عليها، على سبيل المثال، يجب أن يبدو المحتوى الاجتماعي رائعاً عند النظر إليه من الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب.
لكن مع ارتفاع سقف توقعات المستهلكين وقصر فترات الانتباه، وتزايد أعداد الشركات في السوق، يجب على الشركات المُصنِّعة للهاتف المحمول مفاجأة المستخدمين وإدخال السرور إلى قلوبهم من خلال إضفاء الطابع الشخصي على منتجاتها.
عند تصميم حملات تجربة الزبائن بواسطة الأجهزة المحمولة، يجب أن يفكر المسوقون في "كيف يستخدم الناس الأجهزة المحمولة"؛ فكل ما يتطلبه الأمر هو تغيير الأولويات من "البيع" إلى "التعليم"، بحيث تضع احتياجات المستخدمين في المقام الأول؛ لذا سارعت بعض العلامات التجارية التي تفكر استباقياً بالفعل إلى الاستثمار في إنشاء تجارب زبائن مبتكرة ومتطورة على الأجهزة المحمولة، إليك مثالين عنها:
1. برنامج "بوكت كونتور كلاس" (Pocket Contour Class):
برنامج "بوكت كونتور كلاس" (Pocket Contour Class) من شركة "سيفورا" (Sephora):
تتصدر شركة "سيفورا" (Sephora) المتخصصة في مجال التجميل عمليات الابتكار للأجهزة المحمولة بمجموعة من التجارب المخصصة المصممة للهاتف المحمول، التي تلبِّي احتياجات جيل الألفية الماهرين رقمياً.
يوفر برنامج "بوكت كونتور كلاس" (Pocket Contour Class)، الذي أصبح بمنزلة خبير تجميل افتراضي متنقل، إرشادات مفصلة خطوة بخطوة لوضع مساحيق التجميل، فبعد تحميل صورة شخصية، تحلل التقنية شكل وجه المستخدم وتصنفه إما بوصفه شكلاً بيضاوياً أو مربعاً أو دائرياً أو قلباً، ثم يقدِّم البرنامج توصيات لمنتجات ونصائح مخصصة، وهذا يُشعِر المستخدمين أنَّهم جالسون على كرسي في صالون تجميل حقيقي.
بدأت الشركة أيضاً باستخدام الواقع المعزز في تطبيقها "سيفورا تو غو" (Sephora-To-Go)، الذي يقدِّم تجربة رواية القصص الرقمية في المتجر؛ إذ يستطيع الزبائن تمرير أجهزتهم المحمولة فوق شاشات العرض للوصول إلى مجموعة من محتوى الفيديو المتعلق بالجمال، مثل المقابلات مع مؤسسي العلامات التجارية وتقييمات المنتجات والبرامج التعليمية، وعند مسح رموز المنتجات الفردية في المتجر سيحصل المستخدمون على تقييمات فورية وعروض ترويجية لمساعدتهم خلال عملية الشراء.
2. نظام "إس بي جي كيليس" (SPG Keyles):
نظام "إس بي جي كيليس" (SPG Keyles) من سلسلة فنادق "ستاروود هوتيلز آند ريزورتس" (Starwood Hotels & Resorts):
يغير نظام "إس بي جي كيليس" (SPG Keyles) من سلسلة فنادق "ستاروود هوتيلز آند ريزورتس" (Starwood Hotels & Resorts)، تجربة الفندق بوصفها أول نظام تسجيل دخول يسمح للضيوف باستخدام هواتفهم الذكية بوصفها مفتاحاً لغرفهم.
يمثل نظام "إس بي جي كيليس" (SPG Keyles)، المتوفر في فنادق "ألوفت" (Aloft) و"إليمنت" (Element) و"دبليو" (W) حول العالم، نقطة تحول رائدة في تجربة الفندق التقليدية؛ إذ يغير جذرياً طريقة وصول الضيوف وتسجيلهم الدخول إلى غرفهم، كما يتيح النظام الذي يمكن استخدامه من تطبيق "إس بي جي" (SPG) للضيوف تخطِّي مكتب الاستقبال وتجنب الانتظار في الطابور، وفتح غرفهم بنقرة واحدة على هواتفهم الذكية أو ساعات "آبل ووتش" (Apple Watch).
4 خطوات لإنشاء استراتيجية تجربة الهاتف المحمول:
إذا كان مستقبل الهاتف المحمول يختص بإنشاء تجارب من شأنها تحسين حياة الناس، فيجب أن تتغير التفاعلات بين العلامة التجارية والمستهلكين من أسلوب المعاملات لتصبح تجربة شخصية، ويجب أن تجذب تجربة المحمول اليوم المستخدمين عبر تبادل رقمي جديد يأخذهم في رحلة علامة تجارية تناسب أنماط حياتهم.
من الآن فصاعداً يجب على العلامات التجارية التفكير منذ البداية كيف ستبدو التجربة على المحمول لمواكبة سلوك المستهلك. إليك 4 خطوات أساسية لتوجيه استراتيجية محمول ناجحة تعطي الأولوية للمستخدمين:
1. التحليل والتكيف مع أنماط المستخدم:
لم يعد الهاتف المحمول مجرد قناة تواصل؛ بل أصبح سلوكاً، لكنَّ التطبيقات عادة ما تخيب الآمال؛ وذلك لأنَّ الشركات لا تعرف جيداً ما الذي يريده زبائنها ويحتاجون إليه ويتوقعونه من تجربة الهاتف المحمول.
يبدأ تعزيز استراتيجية الهاتف المحمول بخطوة رئيسة واحدة وهي فهم المستخدم، ولتحقيق النجاح في عالم الهاتف المحمول، يجب على جهات التسويق استخدام البيانات والتكنولوجيا المتاحة لهم؛ وذلك لتحديد الدوافع والاحتياجات والأنماط الفردية.
وتسلط دراسة سلوك المستهلك هذه الضوء على أهم المعلومات بالنسبة إلى العلامة التجارية، وترشدهم إلى الفرص الجديدة لوسط الهاتف المحمول، التي يمكن أن ينتهزوها بواسطة تقديم استراتيجية للهاتف المحمول مصممة خصيصاً للمستخدم وتركز على التجربة.
2. تخصيص التجربة:
التفاعل هو السر، فإذا لم يلبِّ حل الهاتف المحمول احتياجات المستخدم، فلن يترك انطباعاً قوياً وسيزيد خطر التخلي؛ لذا يجب على المسوقين إنشاء تجارب سلسة وبديهية تتكيف مع المستهلكين الذين يتفاعلون مع العلامات التجارية في كل لحظة.
تسمح البيانات الاجتماعية والديموغرافية والسلوكية للمسوقين بتخصيص الرسائل، على سبيل المثال، يمكنهم تعزيز التفاعل من المستخدم باستخدام الميزات المتعلقة بما تقدمه الشركة وبالمنطقة المحلية، ومن أفضل الأمثلة عن ذلك ميزات "واقع الجمال الافتراضي" (virtual beauty reality) من تطبيق "سيفورا تو غو" (Sephora-To-Go)، وميزات "موقع المنتج" في متاجر "هوم ديبوت" (Home Depot) التي تستجيب مباشرة لاحتياجات المتسوقين. يُنتج هذا النوع من التخصيص تجربة فريدة للمستهلك تُشعِرُه أنَّ العلامة التجارية تهتم به بحق.
3. تكوين اتصال عاطفي:
لتجربة العلامة التجارية، على عكس رسائل العلامات التجارية، تأثير كبير في كيفية تعامل المستهلكين مع العلامات التجارية، وتشمل جميع جوانب رحلة العلامة التجارية، فهي مجموعة تفاعلات المستهلك مع العلامة التجارية التي تجتمع معاً لتترك انطباعات وذكريات دائمة.
تخيل أنَّك دخلت إلى متجر ملابس يعرف فيه مساعد المبيعات اسمك وقياسك وفق بيانات آخر عملية شراء أجريتها، واقترح عليك على الفور القميص المثالي الذي يناسبك. إضافة هذه التفاصيل الشخصية إلى نقاط الاتصال على الهاتف المحمول مؤثر جداً في بعث المشاعر الإيجابية المرتبط عادةً بالتفاعلات التي تحصل وجهاً لوجه؛ وذلك لأنَّك بسهولة، تُشعِرُ المستهلكين بأنَّهم مميزون.
ستُمكِّن تجربة الهاتف المحمول القوية المستخدمين من إنجاز المهام بكفاءة كبرى، وستكوِّن اتصالاً عاطفياً بين العلامة التجارية والمستهلك؛ لذا فإنَّ تحسين الخدمات بواسطة تقديم تجربة بشرية تعتمد على التكنولوجيا تكون جديدة ومثيرة ومختلفة عما يعرفه المستخدمون بالفعل، سيؤدي إلى تقارب دائم من العلامة التجارية.
قد يكون تسجيل الدخول بواسطة الأجهزة المحمولة في سلسلة فنادق "ستاروود هوتيلز آند ريزورتس" (Starwood Hotels & Resorts) خياراً عملياً لا يتطلب وجود إنسان، ولكن ما يهم حقاً هو أن يبعث إحساساً بأنَّ العملية مميزة وتهدف إلى تقديم أفضل خدمة.
4. البناء من الصفر:
في خضم سباق "تمكين الأجهزة المحمولة" (mobile enablement)، تُسارِع الشركات معظمها إلى طرح تطبيقات للأجهزة المحمولة؛ وذلك عن طريق ضبط حجم العرض، وتحسين عربة التسوق، وتمكين المعاملات المتوافقة مع الأجهزة المحمولة.
بالتأكيد كل تلك سمات ضرورية، لكنَّ هذا الأسلوب لا ينتج عنه تجربة هاتف محمول كاملة وشاملة؛ لذا عوضاً عن ذلك، يجب عليك أن تفكر كأنَّك تصمم التجربة من الصفر، وليس كأنَّك تضيف وظيفة إضافية إليها، أو تدمج الوظائف العملية مع احتياجات المستخدم لتقديم رحلة معززة وجذابة.
بالطبع، لا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع فيما يتعلق بإنشاء تجارب الهاتف المحمول؛ إذ يمكنك تحسين أو تحديث تجربتك الحالية للمحمول بميزات التخصيص، مثل تفعيل الإشعارات وتوصيات المنتج، ولكنَّ تلك الميزات ليست مميزة أو جذابة حقاً، يتطلب الابتكار الحقيقي والاستجابة لاحتياجات المستخدم نهج تصميم محمول يبدأ من الصفر، والالتزام.
في الختام:
العالم يتجه إلى تجارب الأجهزة المحمولة، والإمكانات التجريبية غير محدودة، فلم تعد قناة الهاتف المحمول والاستراتيجية مجرد فكرة تسويقية ثانوية؛ بل أصبحت محط تركيز في حد ذاتها تُمكِّن العلامات التجارية من تحسين حياة المستخدمين على مدار الساعة.
توفر القدرة على التواصل مع المستهلكين من أجهزتهم المحمولة فرصاً مثيرة للمستقبل، ولكن حان الوقت للتطور إلى ما بعد إنشاء تطبيقات، إلى الاستثمار في تجربة الهاتف المحمول.
تتطلب الاستراتيجية القوية التفكير ملياً والنظر إلى الصورة الشاملة لتحديد وموازنة أهداف الشركة مع احتياجات المستخدم وإجراءاته وتطلعاته. تشمل التوجهات السائدة التي يجب الاستعداد لها الخدمات المستندة إلى الموقع والتقنيات القابلة للارتداء والتعزيز وإنترنت الأشياء.
في المستقبل المنظور، ستبقى تجارب الزبائن من الأجهزة المحمولة أحد الأركان الأساسية لتسويق العلامة التجارية بالنسبة إلى الشركات، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن للعلامات التجارية التفكير على نطاق واسع بما يكفي لتبرز حقاً؟