أصبح الذكاء الاصطناعي محور تركيز الكثيرين في عالم التسويق والاتصالات؛ إذ تستخدم العديد من أقسام شركة "ماركوم" (Marcom) الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلك والتنبؤ باحتياجاته المستقبلية، وتستخدم العديد من العلامات التجارية الخوارزميات لاقتراح محتوى محدد وعرض إعلانات محددة، بالإضافة إلى استخدام بوتات الدردشة لخدمة الزبائن.

ولكنَّ الذكاء الاصطناعي يستطيع فعل أكثر من ذلك؛ فهو قادر على مساعدة العلامات التجارية على الارتقاء بصوت علامتها التجارية، الذي يصف شخصية الشركة في تفاعلاتها وعمليات التواصل التي تُجريها، وعادةً ما تنفق العلامات التجارية الآلاف، إن لم يكن الملايين من الدولارات، على تحسينه.

أصبح الذكاء الاصطناعي الوجه الجديد للتسويق الرقمي، مع دخول الصور التشخيصية الرقمية والكائنات الاصطناعية إلى عالم التسويق الرقمي، وفيما يأتي 3 أمثلة عن كيفية استخدام العلامات التجارية للذكاء الاصطناعي بطرائق جديدة مثيرة للاهتمام للارتقاء بالحملات إلى مستوى جديد تماماً:

1. توفير التكاليف

قبل التسويق باستخدام الذكاء الاصطناعي، كان يتعين على الشركات تصوير الإعلان التجاري نفسه مرات عدَّة مع تغيير اسم العلامة التجارية أو أحد عناصره، ولكنَّ الذكاء الاصطناعي يسمح للعلامات التجارية بالوصول إلى جميع الأسواق التي تعمل فيها مع بذل وقت ومال أقل؛ وهذا ما أثبتته شركة "سنثيزيا" (Synthesia)، وهي شركة ذكاء اصطناعي وإنتاج مقاطع الفيديو.

تعاونت الشركة في مشروع نشرته مؤخراً على موقعها الإلكتروني، مع وكالة التسويق والإعلان العالمية "كرافتو" (Craftww) لتوفير مبالغ طائلة على عميلهم شركة "جست إيت" (JustEat)؛ فبعد أن عملت الشركة على إعلان نجح على نطاق واسع ظهر فيه المطرب "سنووب دوغ" (Snoop Dogg)، وأرادت الاستفادة من حملتها الناجحة وتعميمها على جميع الأسواق، ومن ذلك شركة "مينيولوغ" (MenuLog)، وهي الشركة الفرعية الأسترالية التابعة لشركة "جست إيت" (JustEat)، لكنَّهم سجلوا نسخة واحدة من الإعلان فقط استخدموا فيها اسم الشركة الأم "جست إيت" (JustEat).

وتمكَّنت شركة "جست إيت" (JustEat) بمساعدة شركة "سنثيزيا" (Synthesia)، من تحويل الإعلان التجاري الأصلي للعلامة التجارية "جست إيت" (JustEat)، الذي أنتجته بالتعاون مع شركة "كرافتو" (Craftww) إلى إعلان تجاري لفرع "مينيولوغ" (MenuLog).

والمثير للاهتمام هو طريقة فعلهم لذلك؛ إذ لم تكتفِ شركة "سنثيزيا" (Synthesia) بتغيير الشعارات؛ بل غيَّرت حركات شفاه المطرب "سنووب دوغ" (Snoop Dogg) في جميع لقطات الإعلان التجاري، وبالنتيجة وفَّرت تكاليف كبرى على العميل لأنَّه لم يضطر إلى تصوير الإعلان مرتين.

تؤمن شركة "سنثيزيا" (Synthesia) بأنَّ "الوسائط الاصطناعية" (Synthetic media) و"التعلم المتعمِّق" (Deep learning) سينتجان جيلاً جديداً من أدوات إنشاء المحتوى الأخلاقية والفعالة.

2. بناء نموذج تسويق "من الشركة إلى الروبوت إلى المستهلك"

فتح عالم الأجهزة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مجالاً جديداً للشركات، مثل نموذج "من الشركة إلى الروبوت إلى المستهلك" (B2R2C)، وفي حين أنَّ استيعاب نموذج العمل الجديد هذا قد يكون صعباً في البداية، إلا أنَّ تطبيقاته سهلة وفعالة.

إذ إنَّ التسويق إلى الروبوتات هو ما يحدث عندما يصبح المساعدون الافتراضيون والصور التشخيصية الرقمية وحتى الروبوتات صلةَ الوصلِ بين العلامات التجارية والمستهلكين، على سبيل المثال، سيعرف مساعدك الصوتي مستقبلاً ما الذي تحتاج إلى شرائه قبل أن تعرف أنت أنَّك تحتاج إليه.

شركة "إي آي فاونديشن" (AI Foundation) في طليعة هذا التوجه الجديد؛ إذ تعاونت مع شخصيات مثل المؤلف "ديباك تشوبرا" (Deepak Chopra)، ورجل الأعمال "ريتشارد برانسون" (Richard Branson) لتطوير رسالتها المتمثلة في قيادة التقدم العالمي بمسؤولية عبر منح كل فرد ذكاءً اصطناعياً يحمل قيمه وأهدافه الشخصية.

بالنسبة إلى الشركة، سيُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في طريقة تواصل الناس وعيشهم وعملهم، وهذا بدوره سيوفِّر فرصاً هائلة لأولئك الذين يمتلكون التقنية، لكنَّه يمكن أن يشكل أيضاً تهديدات خطيرة إذا استخدموه للتلاعب بنا، أو عند تعطله أو إذا أصبح وسيلة للتفريق بين البشر، لكنَّ الذكاء الاصطناعي نفسه يمكن أن يساعدنا على منع حصول ذلك.

وبالنسبة إلى شركة "إي آي فاونديشن" (AI Foundation)، يجب أن تعود ملكية الذكاء الاصطناعي إلى الجميع، وهم يظنون أنَّ كل منا يحتاج إلى الذكاء الاصطناعي له، وأنَّ هذه التقنية ستحمينا وتزيد من حكمتنا وقوَّتنا وستطلق العنان لإمكانات عالمنا.

تعمل شركة "إي آي فاونديشن" (AI Foundation) على حالات استخدام حيث يمكن للأشخاص الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية، على سبيل المثال، ازدادت أهمية الطهي مؤخراً؛ وذلك لأنَّنا نقضي وقتاً أطول في مطبخنا؛ لذا فهم يعملون على تصميم طاهٍ يعمل بالذكاء الاصطناعي ويعلم ما هي المكونات والأدوات المتوافرة في مطبخك، وحتى يعرف ما الذي تفكر في تناوله على العشاء، ويساعدك على طهي طبقك المفضل، أو يشارك معك وصفات جديدة وفق المكونات المفضلة لديك.

يقول "كريس أكوستا" (Chris Acosta) نائب مدير ابتكار المنتجات والنمو في الشركة: "من خلال تقنيتنا، يمكن للشركات والعلامات التجارية بناء علاقة أقوى مع زبائنها ومعجبيها عبر التواصل بأسلوب أكثر تفاعلية وذكاء؛ وذلك لأنَّهم سيتمكنون من معرفة ما يريده المستخدمون بالضبط وما يهتم به، وتقديم قيمة أعلى دون تضييع وقتهم في محادثات مباشرة".

في مقطع فيديو نشرته الشركة على موقع "فيسبوك" (Facebook)، تظهر امرأة تتحدث إلى طاه يعمل بالذكاء الاصطناعي، فيجريان محادثة عن إعداد وجبة، أو البدء بالاستعداد لتناول العشاء، وتقول المرأة إنَّها تود إعداد طبق الكفتة، ويردُّ عليها الروبوت بأنَّ ذوي الأذواق الرفيعة تخطر لهم الأفكار نفسها.

3. تقديم الروبوتات الرقمية تجارب قوية للعلامة التجارية

لم تعد شركة "سنثيزيا" (Synthesia) وشركة "إي آي فاونديشن" (AI Foundation) الوحيدتين اللتين تعملان على توفير الروبوتات الرقمية للعلامات التجارية لتقدم تجارب جذابة لزبائنها؛ إذ أعلنت شركة "سول مشينز" (Soul Machines) أنَّها ستطرح منصة "دي دي إن إيه ستوديو" (DDNA Studio) للشركات بحيث: "يمكن للعلامات التجارية التواصل مع كل زبون تواصلاً مخصصاً على نطاق واسع عبر الروبوتات الرقمية لشركة "سول مشينز" (Soul Machines)".

صممت الشركة الروبوتات الرقمية: "لتقديم التجربة الشخصية والعاطفية التي يريدها الزبائن في تفاعلاتهم مع العلامات التجارية بتكلفة تسمح الشركات بالتوسع"، فلم يعد إنشاء الروبوتات الرقمية يتطلب فريقاً من المطورين وخبراء تطبيقات الرسوميات الحاسوبية؛ إذ يمكن للعلامات التجارية الآن استخدام "دي دي إن إيه ستوديو" (DDNA Studio) لتطوير روبوتات تتناسب مع ثقافة علامتها التجارية وزبائنها لتقديم تجربة أكثر جاذبية.

تطلق شركة "سول مشينز" (Soul Machines) على الذكاء الاصطناعي الذي تعمل به الروبوتات الرقمية اسم "الدماغ الرقمي"، وهو المسؤول عن وظيفة الرسوم المتحركة المستقلة، وتؤكد أنَّ استخدامات الروبوتات الرقمية تتراوح بين التدريب والترفيه والخدمات المالية؛ أي تشمل كل نوع من الوظائف الذي يحوي مهام روتينية مكررة، يمكن أن تؤديها الروبوتات الرقمية أداءً أفضل من بوتات الدردشة الآلية.

صممت شركة "سول مشينز" (Soul Machines) الروبوتات الرقمية لتُطوَّر مع مرور الوقت بناءً على تفاعلات المستعمِل؛ إذ تظن الشركة أنَّه يجب علينا أن نفهم أنَّ التسويق عالي التقنية يتطلب تعريفاً وتصنيفاً واضحاً لفهم الجيل الجديد من الروبوتات الرقمية التي ستنتشر في كل مكان قريباً، ولمنح هذه الروبوتات الرقمية الجديدة شخصية تتوافق مع العلامات التجارية، سيتعين على الشركات تحديد قيم علامتها التجارية، والدور الذي يحتاجون إلى أن يشغله الروبوت الرقمي، والقيام بذلك بطريقة تروق لقاعدة عملائهم.

في الختام

تُظهر هذه الأمثلة أنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي بإبداع، له فوائد تتعدى العمل الروتيني؛ فهو طريقة لتكوين علاقات شخصية مع الزبائن وفي الوقت نفسه التوسع توسعاً فعالاً من حيث التكلفة. ومن الهام التوقف عن ربط الذكاء الاصطناعي بروبوتات الدردشة فقط، وإجراء محادثات عن كيف يمكن للذكاء الاصطناعي خدمة العلامات التجارية، ومن ثَمَّ استخدامه لتحسين تجربة الزبائن.

يجب أن نستمر في إجراء مناقشات هادفة عن التزييف العميق ووضع ضمانات ومعايير أخلاقية لمجالات الوسائط الاصطناعية، ولكن يجب علينا أيضاً الانتقال بالمحادثة إلى ما هو أبعد من مجرد التركيز على عنصر الوسائط الاصطناعية، فقد حان الوقت أيضاً للعلامات التجارية والشركات لفهم التوجهات الأوسع التي تلوح في الأفق فهماً أفضل، حتى يكونوا مستعدين لمستقبل التسويق القادم.