كونك مسوِّقاً؛ فمن المحتمل أنَّك تُفكِّر في كثير من الأسئلة الهامة والدقيقة كلَّما أردتَ مشاركة منشور مع الناس، وقد تشمل بعض هذه الأسئلة: ما هو المحتوى الذي يتابعه جمهورنا؟ ما هي الأحداث الحالية التي تدور حولها النقاشات على الإنترنت؟ ما الذي ينشره المنافسون؟ ما هي القنوات التي تبدو مشهورة حقاً؟
هذه جميعها أسئلة هامة وستجعلك بالتأكيد بارعاً في عملك، لكنْ من حين إلى آخر ربما علينا التفكير في سؤال أكبر وأعمق وكئيبٍ إلى حد ما وهو: ما الذي يمكن أن يدمرنا؟
على الرغم من أنَّ التفكير في هذا الأمر ليس ممتعاً حقاً، إلَّا أنَّه من الضروري أن نَعُدَّ النجاح أمراً غير مضمون.
ليس عليك أن تعود كثيراً إلى الوراء حتى تدرك ذلك، ففي عام 1980 كانت تُوجَدُ سبعٌ من أكبر عشر شركات في مؤشر إس آند بي 500 (S&P 500) من شركات النفط والغاز، وشركة آي بي إم (IBM) التي كانت رابحة للغاية في الثمانينيات هُزمَت من قبل شركات مثل مايكروسوفت (Microsoft) وبروكتور (Proctor) وغامبل (Gamble)، ولم يستغرق الأمر من شركة مايكروسوفت سوى أقل من عقد حتى تصبح واحدة من أعلى الشركات قيمةً في العالم.
هل تعلم عدد الشركات التي كانت ضمن العشر شركات الأولى في عام 1980 والتي كانت ما تزال في المراكز العشرة الأولى في عام 2020؟
صفر.
حتى في غضون عشرين عاماً فقط، من المدهش كم تغيَّرَ العالم. إنَّ أَسهُم النفط والغاز التي كانت تمثِّل في السابق أكثر من ربع السوق، تمثِّل الآن أقل من 5%، وبعض الشركات التي كانت ناجحة جداً في الثمانينيات مثل كوداك (Kodak) بالكاد يعرفها أحد اليوم، كما أنَّ الركود والإفلاس وعدم مواكبة التطوُّر ما زالت عوامل تُغيِّر مسار عمالقة اليوم، والعديد من الشركات التي نعتقد أنَّها ستحظى بشعبية كبيرة في العشرين سنة القادمة قد لا تكون موجودةً حتى اليوم، وبالطبع لم يكُنْ في إمكان أحد في عام 1985 أن يتوقَّع مستقبل شركة آبل (Apple).
إذاً ما الذي يمكنك فعله كمسوِّق للاستعداد للمستقبل؟
3 أطر عمل لعلامتك التجارية:
من خلال تعلُّم أُطر عمل استراتيجية بسيطة؛ يمكنك تحديد التوجُّهات التي يمكن أن تُحدِّدَ مستقبل شركتك وتمنحك تفوُّقاً في المجالات المختلفة، ويمكن أن تساعدك هذه الأطر على تعزيز قدرتك على تحليل المنافسين الآخرين لتعزيز تفوقك.
1. إطار القوى الخمس (Five Forces Framework):
ابتكرَهُ الأكاديمي مايكل بورتر (Michael Porter)؛ والذي يُعَدُّ من رواد الاستراتيجية الحديثة، ويُعَدُّ إطار القوى الخمس أحد أكثر الأطر شيوعاً التي تمكِّنُكَ من فهم ما يحدُث خارج شركتك.
يتكوَّن الإطار من خمسة مكونات تساعدك على فهم كم من المغري الدخول في مجال معيَّن، ويمكن لهذه القوى الخمس أن تساعدك على معرفة توزُّع القوى في مجال معيَّن، ومدى سهولة الدخول إليه واحتمال النجاة فيه.
على سبيل المثال؛ انظرْ إلى شركات الطيران، يُوجَدُ مُورِّدان هامَّان للطائرات؛ وهما شركتا إيرباص (Airbus) وبوينغ (Boeing)، فإذا قرَّرَتْ الشركتان رفع الأسعار أو الإضراب، فقد يتسبب ذلك بمشكلات كبيرة في جميع أنحاء العالم ومن المُحتمَل أن يؤثِّر ذلك في كل شركات الطيران، بالإضافة إلى ذلك ونظراً إلى أنَّ تصنيع الطائرات يكلِّف الكثير، فمن الصعب جداً الدخول إلى هذا المجال.
في المقابل فإنَّ المشترين يتمتَّعون بسلطة أكبر في مجال العقارات؛ وذلك نظراً إلى أنَّه لديهم العديد من الخيارات لمقارنة الأسعار كالسماسرة والمواقع الإلكترونية، وبالنسبة إلى قطاعات أخرى مثل الأطعمة والمشروبات، فتُوجَدُ أيضاً الكثير من المنافسة؛ بما في ذلك الخيارات الصحيَّة ذات التكاليف المنخفضة نسبياً للشخص العادي.
في حين أنَّه قد لا يكون لدى كل شركة إطار عمل تقليدي للمورد أو المشتري "مثل شركات الإنترنت الحديثة"، فإنَّ كل شركة تتأثر في التوجُّهات التي تؤثر في المشترين.
كيفية استخدام الإطار:
الخطوةُ الأولى هي النظر إلى المجال الذي تعمل فيه علامتك التجارية؛ وذلك من خلال بحث بسيط في جوجل (Google) أو إلقاء نظرة على موقع ياهو فاينانس (Yahoo Finance) لكي تُحدِّدَ العلامات التجارية المنافسة.
فكِّر أولاً في المستخدِمين أو العملاء واسألْ نفسَكَ بعضَ الأسئلة: ما الذي يستخدمونه أيضاً؟ ماذا سيفعلون لو اختفيتَ غداً؟ ثم فكِّر في المجال ككل: هل من السهل على الشركات الجديدة الدخول فيه؟ هل يؤدي الولاء دوراً؟ ما تفعله بعد ذلك يعتمد على إجاباتك. إذا لم يشعرْ العملاء بولاء لعلامتك التجارية أو كانوا قادرين على التخلِّي عنها بسهولة، فربما عليك الانتباه إلى ما يفعله المنافسون لتلافي ذلك.
2. تحليل بيستل (PESTELE Analysis):
إطار عمل شائع آخر هو تحليل بيستل، والذي يأخذ في الحسبان العديد من العوامل مثل العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية التي يمكن أن تؤثِّر في منتجك أو علامتك التجارية.
ألقِ نظرة على التطبيقات الحديثة، فقد كان من المستحيل أن ينجح تطبيق مثل أوبر (Uber) قبل عشرين عاماً. لقد احتاجَت الشركة إلى بعض العوامل التي صبَّت في صالحها؛ مثل انتشار الهواتف الذكية ونشر شركة آبل متجر تطبيقاتها، وتقبُّل المجتمع ركوب سيارات الغرباء، وغياب قوانين محدَّدَة تنظِّم تشارك السيارات.
بالمثل فإنَّ عوامل بيستل قد غيَّرَت مجال الطيران اليوم، وسبَّبَ الركود الاقتصادي في الثمانينيات انهيارَ العديد من شركات الطيران، وتمكَّنَت بعض الشركات مثل أميريكان إيرلاينز (American Airlines) وساوث ويست (Southwest) ودلتا (Delta) وغيرها من الصمود في وجه العاصفة والنجاة لمواصلة نجاحها اليوم.
في حين أنَّ فهم مجال العمل وبيئته يمكن أن يساعد على بناء استراتيجية طويلة الأمد، لكنْ عليك الاستفادة من بعض الأدوات التي تُمكِّنُكَ من التحليل والموجهة بدقة نحو قدرات علامتك التجارية.
كيفية استخدام الإطار:
على عكس إطار القوى الخمس الذي يتطلَّب حدساً جيِّداً وفهم نماذج الأعمال إلى حدٍّ ما، فإنَّ هذا الإطار يتطلَّب الكثير من البحث لفهم التوجُّهات المختلفة التي قد تؤثر في علامتك التجارية.
ابدأْ بكل عامل من العوامل المذكورة أعلاه وتعمَّق في كلٍّ منها على حدة. سياسياً؛ هل صدرَت أيَّة قوانين يمكن أن تؤثر في شركتك؟ وهل ستصدر أيَّة قوانين جديدة؟ هل تُوجَدُ أيَّة توجُّهات اجتماعية جديدة قد تجعل شركتك جذَّابة؟ هل تُوجَدُ تقنيات جديدة يمكن أن تغيِّر بشكل كبير استخدام الناس لخدماتك؟
يمكنك أن تُحدِّدَ بنفسك العوامل التي تَعُدُّها هامَّة، ولكنَّ هذا الإطار يحثُّكَ على التفكير بعمق في عالَم الشركات من حولك.
3. تحليل سووت (SWOT Analysis):
هو إطار شائع يُستخدَم لتصنيف أداء شركتك، ويتكوَّن الإطار من أربعة عوامل: نقاط القوة (Strengths) ونقاط الضعف (Weaknesses) والفرص (Opportunities) والتهديدات (Threats)، ويجمع الحاضر والمستقبل في إطار عمل واحد. خُذْ شركة نايكي (Nike) كمثال عن ذلك؛ فبينما تُعَدُّ الشركة ناجحة جداً في الوقت الحاضر، فإنَّ قسم الفرص والتهديدات في تحليل سووت يمكن أن يساعد الشركة على تقييم مستقبلها وخطواتها التالية. هل عليها تحسين علاقاتها مع المستهلكين أم إصدار منتجات جديدة؟
مثل الأطر الأخرى؛ سوف تستفيد من هذا الإطار بقدر ما تضع فيه من تفاصيل وبقدر ما تبدع في التفكير في التوجُّهات الحالية وتأثيرها في عملك.
كيفية استخدام هذا الإطار:
ليس الإطار سهل التطبيق فقط؛ وإنَّما أيضاً يستكشف المسائل بشكلٍ متعمِّق أيضاً ويمنحك فرصة حقيقية للتأمُّل في علامتك التجارية.
من المُحتمَل أن تكون لديك المعرفة الكافية لوضع هذا الإطار دون الكثير من البحث الخارجي، لكنْ لحسن الحظ يمكن وضعه أيضاً على المستوى الوظيفي، ويمكن لوسائل التواصل الاجتماعي وحدها الاستفادة من تحليل سووت. يتضمَّن ذلك التفكير في نقاط القوة "أي مَن مِن منصاتك هي الأقوى"، ونقاط الضعف "مثل المحتوى الذي لم يلقَ إعجاباً كافياً"، والفرص "المنصات الجديدة" بالإضافة إلى التهديدات "ظروف السوق وتغييرات الخوارزمية وما إلى ذلك".
في الختام:
على الرغم من أنَّ العديد من الوظائف لا تتطلَّب منك بناء هذه النماذج كجزء من واجباتك اليومية، إلَّا أنَّ فهم تغييرات العالم من حولك وكيفية استفادة شركتك منها هو أمر لا يمكنك إغفاله مهما كانت وظيفتك.
في حين أنَّ هذه الأطر مفيدة بشكل خاص للشركات الجديدة الناشئة في مجال معيَّن، إلَّا أنَّها قد تكونُ أيضاً أداةً مفيدةً لأيَّة شركة كبيرة أو ناجحة حالياً، وإذا كنت في موقع تتعامل فيه مباشرةً مع العملاء مثل وسائل التواصل الاجتماعي، فإنَّك على اطِّلاع دائم على ما يقوله العملاء والحكومات والمنافسون.
من غير المُحتمَل أنَّك قادر وحدك على إنقاذ شركة بأكملها، ففي النهاية لم يستطع أذكى وأنجح المديرين التنفيذيين في العالم مساعدة شركة بلاك بيري (Blackberry) على توقُّع التغيير الهائل الذي سيُحدِثُهُ هاتف آيفون (Iphone)، لكنْ حتى لو لم تكُنْ صانع قرار، فإنَّ إدخال معلومة واحدة في أحد هذه الأطر قد يساعد شركتك على النجاة خلال العشرين عاماً القادمة.