لقد توسَّع مجال التجارة الإلكترونية وتفرَّع منه فرع جديد تماماً يسمَّى التجارة الاجتماعية، ويرجع سبب صعود التجارة الاجتماعية إلى عوامل، مثل شعبية التسوق القائم على التوجُّهات السائدة، والتغيرات في سلوك المستهلك، وزيادة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لاكتشافات العلامات التجارية.

من الناحية الإحصائية، ستبلغ إيرادات التجارة الاجتماعية تريليونين دولار أمريكي في الولايات المتحدة بحلول عام 2025، هذا في الولايات المتحدة فقط، وسيزدهر مستقبل التجارة الاجتماعية أيضاً في بلدان ومناطق أخرى، منها الصين والدول الأوروبية والآسيوية.

قبل أن ننتقل إلى التوقعات المستقبلية للتجارة الاجتماعية، دعونا أولاً نفهم وضعها الحالي.

الوضع الحالي للتجارة الاجتماعية:

ما دمنا نتناول الوضع الحالي للتجارة الاجتماعية، دعونا نلقي الضوء على تاريخها وكيف بدأت لفهم هذا المصطلح فهماً أفضل، فأول مَن صاغ هذا المصطلح هو شركة ياهو (Yahoo) في عام 2005، وكان مفهوماً مختلفاً تماماً عما هو عليه الآن، وكان المقصود منه ببساطة وصف أدوات التسوق التعاونية مثل تقييمات المُستخدِمين، وقوائم الاختيار التي يمكن مشاركتها (قوائم الرغبات)، ونصائح أخرى عن استخدام المحتوى الذي ينشئه المُستخدِم.

في عام 2024، أصبحَت التجارة الاجتماعية نوعاً من التجارة يجمع بين الطبيعة الاجتماعية والتفاعلية لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي وإمكانات البيع والشراء للتجارة الإلكترونية، وهذه الاستراتيجية مهيَّئة لتتولى مجال التجارة الإلكترونية نظراً لقدرتها على تعزيز شعبية العلامة التجارية والثقة بها والتفاعل معها.

في عام 2022 وحده، حققت التجارة الاجتماعية 53.1 مليار دولار من الإيرادات في الولايات المتحدة، وهذه زيادة بنسبة 34.4٪ عن العام السابق، وتتنبأ هذه الزيادة بمستقبل مشرق للتجارة الاجتماعية، خاصة بالنسبة إلى مجال التجارة الإلكترونية.

ما هي توجُّهات التجارة الاجتماعية المستقبلية التي تتوقعها شركات التجارة الإلكترونية؟

كما نعلم، بحكم التعريف، التجارة الاجتماعية هي شكل من أشكال التجارة التي تستخدم العناصر الاجتماعية لشراء وبيع المنتجات، ويشمل ذلك استخدام محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة المحتوى الذي ينشئه المُستخدِم، مثل مقاطع الفيديو والصور والقصص التسويقية التي تعرض المنتجات.

من المتوقع أن يكون مستقبل التجارة الاجتماعية نقطة تحول كبيرة لشركات التجارة الإلكترونية، مع وجود العديد من التوجُّهات الرئيسة التي من المتوقع أن تؤثر في التجارة الاجتماعية؛ لذا دعونا نتعمق في المجالات التي يجب التركيز عليها:

1. تجارب التسوق المباشرة:

تمنح تجربة العملاء الجيدة الشركات القدرة على الاحتفاظ بالعملاء، وما تزال تجربة التسوق عبر الإنترنت على كثرة فوائدها أقل إدماجاً من التسوق التقليدي، فقد يؤدِّي تبني تجارب التسوق المباشرة إلى سدِّ هذه الفجوة والسماح للعملاء بالتفاعل مع العلامات التجارية في الوقت الحقيقي، وإجراء عمليات الشراء وزيادة نطاق هذه التجارب وتأثيرها.

2. اعتماد الواقع المُعزَّز:

اعتماد الواقع المُعزَّز هو توجُّه مستقبلي آخر للتجارة الاجتماعية من شأنه تغيير طبيعة التسوق عبر الإنترنت، فيتيح الواقع المُعزَّز في التجارة الإلكترونية ميزات مثل تجربة المنتج افتراضياً وتحسين تصوُّر المنتج، وهذا يسمح للعملاء بإجراء عمليات شراء مناسبة، وهذا هام تحديداً في مجالات التجارة الإلكترونية، مثل الموضة والجمال، إذ يحتاج المُستخدِمون إلى المساعدة في اتخاذ قرارات الشراء.

3. اعتماد الواقع الافتراضي:

الواقع الافتراضي هو تقنية متقدمة وتوجُّه مستقبلي للتجارة الاجتماعية يحمل إمكانات كبيرة، ويمكن للشركات تعزيز استراتيجيات التجارة الاجتماعية عبر تبنِّي الواقع الافتراضي في تجربة المُستخدِم، وإنشاء بيئات تسوق افتراضية يمكن للعملاء فيها التنقل عبر المتاجر الافتراضية، وفحص المنتجات بالتفصيل، وحتى محاكاة تجربة التسوق التقليدية، ويفيد الواقع الافتراضي تحديداً مجالات، مثل العقارات أو الأثاث المنزلي، وهذا يسمح للمُستخدِمين بالتجول في العقارات أو تصور أماكن الأثاث في منازلهم افتراضياً.

4. تقنية بلوكتشين (Blockchain):

من التنبؤات الأخرى للتوجُّهات المستقبلية للتجارة الاجتماعية صعود تقنية البلوكتشين (Blockchain) التي ستساعد شركات التجارة الإلكترونية على كسب ثقة المستهلكين، ومن المتوقع أن توفر هذه التقنية الشفافية والأمان وإمكانية تتبع معاملات التجارة الاجتماعية، ويؤدِّي هذا إلى شعور العملاء بمزيد من الأمان في أثناء إكمال معاملاتهم، ومن ثم زيادة الإيرادات وتقليل نسبة التخلي عن عربة التسوق.

5. دعم العملاء باستخدام الذكاء الاصطناعي:

أثبت الذكاء الاصطناعي أنَّه ذو قيمة كبيرة بوصفه أداة لدعم العملاء في قطاع التجارة الإلكترونية، ولقد ساعدت وظائف المساعدة الصوتية وروبوتات الدردشة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي الشركات حقاً، وفي المستقبل القريب، يمكن أن نتوقع استمرار تكامل روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين الذين يعملون بتقنية الذكاء الاصطناعي لتوفير الدعم في الوقت الحقيقي والإجابة عن استفسارات العملاء وتقديم توصيات مخصَّصة.

مع استمرار نمو التجارة الاجتماعية وتطورها، من المتوقع أن تعزز هذه التوجُّهات هذه الاستراتيجية على نحو أكبر، وهذا يسمح لشركات التجارة الإلكترونية بتحسين تجربة التسوق بطريقة تولد ربحاً مباشراً.

مع ذلك، يبرز اعتماد الواقع المُعزَّز والواقع الافتراضي في التجارة الاجتماعية من بين هذه التوجُّهات بوصفه الاستراتيجية الأمثل.

اعتماد الواقع المُعزَّز والواقع الافتراضي في التجارة الاجتماعية:

يُحدَّد نطاق أي تقنية جديدة بثلاثة عوامل هامة:

  1. إمكانية استخدامها عملياً.
  2. الإقبال عليها.
  3. المشكلة التي تحلها.

عندما نتحدث عن الواقع المُعزَّز والواقع الافتراضي في التجارة الاجتماعية، فإنَّنا نتناول كل هذه النقاط، فالواقع المُعزَّز والواقع الافتراضي عبارة عن تقنيات موجودة وتستخدمها معظم الصناعات، وتستفيد منها لتحقيق قيمة كبيرة.

الواقع المُعزَّز في التجارة الاجتماعية:

إنَّ مستقبل التجارة الاجتماعية مليء بالتقنيات المثيرة، وأحدها هو الواقع المُعزَّز، حسب بحث أجرته شركة ديلويت (Deloitte)، يهتم 60% من المتسوقين على مستوى العالم (و50% في أوروبا) بتجارب التسوق المعتمدة على الواقع المُعزَّز.

ذلك أنَّ الواقع المُعزَّز يمكِّن المُستخدِمين من تصوُّر المنتجات في العالم الحقيقي عبر أجهزتهم، وفي التجارة الاجتماعية، يُترجم هذا إلى ميزات مثل التجارب الافتراضية لصناعات الملابس والسلع الاستهلاكية، وهذا يسمح للمُستخدِمين بمعرفة ما إذا كانت هذه المنتجات تناسبهم قبل إجراء عملية شراء.

الواقع الافتراضي في التجارة الاجتماعية:

عندما يتعلق الأمر بالواقع الافتراضي، فإنَّ عالم البيع بالتجزئة يحقق بالفعل تقدُّماً كبيراً من خلال السماح للعملاء بتصور المنتجات تصوراً واقعياً قدر الإمكان، وإحصائياً، من المتوقع أن يصل سوق الواقع الافتراضي العالمي إلى 87 مليار دولار بحلول عام 2030.

على غرار الواقع المُعزَّز، يقدم الواقع الافتراضي تجارب متقدمة لتجربة المنتجات الافتراضية قبل الشراء، ويمكن للمُستخدِمين إنشاء شخصيات افتراضية تشبه الواقع لتجربة الملابس أو الإكسسوارات، وهذا يوفر تجربة تسوق تفاعلية وشخصية جداً، وتساعد تجربة التسوق هذه شركات التجارة الإلكترونية على التميز عن المنافسين وعرض منتجاتها بطريقة تفاعلية أكثر.

يؤدِّي اعتماد الواقع المُعزَّز والواقع الافتراضي في التجارة الاجتماعية إلى تعزيز تجربة التسوق الشاملة من خلال توفير ميزات تفاعلية وشخصية، وتتمتع هذه التقنيات بالقدرة على إحداث ثورة في كيفية اكتشاف المُستخدِمين للمنتجات والتفاعل معها وشرائها عبر الإنترنت.

صعود التجارة الاجتماعية وأهم منصاتها:

يمثل صعود التجارة الاجتماعية تحولاً جذرياً في الطريقة التي يتفاعل بها المستهلكون مع التسوق عبر الإنترنت، وفيما يأتي بعض منصات التجارة الاجتماعية الناشئة التي تتوافق إلى حدٍّ بعيد مع التجارة الاجتماعية في المستقبل القريب:

1. يوتوب (Yotop):

من أفضل منصات التجارة الاجتماعية التي تبرز في الساحة الواسعة للتجارة الاجتماعية من خلال توفير ميزات فريدة للتسوق، وبالتركيز على محتوى التسويق المرئي مثل الصور ومقاطع الفيديو والصور التي تحمل نصاً والقصص، تعزز منصة يوتوب مصداقية العلامة التجارية كونها توفر منصة للشركات لتعزيز مبيعاتها وتحسين هوية العلامة التجارية وبناء الثقة عن طريق نشر هذا المحتوى المرئي في مواقع الويب ووسائل التواصل الاجتماعي.

2. بيكسلي تورنتو (Pixlee TurnTo):

تؤدِّي هذه المنصة دوراً بارزاً في مشهد التجارة الاجتماعية وتكامل التجارة الإلكترونية، وتستفيد هذه المنصة من الصور التي ينشئها المُستخدِمون، وتمكِّن العلامات التجارية من زيادة التفاعل وتعزيز المبيعات باستخدام المحتوى المرئي عبر الإنترنت والسماح للمستهلكين بالتسوق من المحتوى مباشرة.

3. تاغشوب (Tagshop):

من أفضل منصات التجارة الاجتماعية المخصصة لشركات التجارة الإلكترونية التي تتطلع إلى توسيع نطاق نموها بتقديم محتوى اجتماعي أصيل وجذاب، وتتمتع المنصة بالقدرة على جمع وتنظيم محتوى الوسائط الاجتماعية وتحويله إلى معارض تسوق جاذبة، وباستخدام تاغشوب يمكن للعلامات التجارية عرض معارضها التسويقية عبر نقاط التواصل، مثل رسائل البريد الإلكتروني والصفحة الرئيسة وصفحات المنتج، وهذا ليس كل شيء، فتسمح تاغشوب أيضاً لمُستخدِميها بإنشاء رابط تسويقي في السيرة الذاتية لتوجيه جمهورهم على وسائل التواصل الاجتماعي إلى موقع التجارة الإلكترونية.

4. بازار فويس (Bazaarvoice):

هي منصة رائدة للتجارة الاجتماعية توفر ميزات مثل التسوق من المحتوى مباشرة ومعارض التسوق الاجتماعية والمراجعات والتقييمات، ولا توجد ميزة لا توفرها هذه المنصة؛ إنَّها حقاً مجموعة كاملة للتجارة الاجتماعية وتوفر لشركات التجارة الإلكترونية الفرصة لتعزيز مصداقيتها وتحسين الإيرادات وبناء الثقة من خلال المحتوى الذي تعرضه على وسائل التواصل الاجتماعي.

5. ساوس (Sauce):

هي منصة أخرى مشهورة للتجارة الاجتماعية تدعي أنَّها تعزز رحلة المشترين إلى حدٍّ بعيد، وتُعرف هذه الأداة بقدراتها على التسوق المباشر، وهذا يتيح للعلامات التجارية بيع المنتجات من خلال المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحقيقي، وتسمح هذه المنصة الديناميكية بالتفاعل المباشر مع الجماهير، وهذا بدوره يوفر تجربة تفاعلية تتجاوز التسوق التقليدي عبر الإنترنت.

على الرغم من أنَّ التجارة الاجتماعية هي بالفعل إحدى الاستراتيجيات الأعلى عائداً لشركات التجارة الإلكترونية، فإنَّ مستقبل التجارة الاجتماعية يعتمد إلى حدٍّ بعيد على ما يستطيع السوق توفيره للشركات التي تتطلع إلى توسيع نطاق هذه الاستراتيجية.

توفر هذه المنصات المذكورة آنفاً بعض الميزات البارزة لشركات التجارة الإلكترونية، وحسب التقارير، وافقت آلاف الشركات على استخدام منصات التجارة الاجتماعية لتعزيز استراتيجياتها وتحقيقها.

استراتيجيات التجارة الاجتماعية عبر القنوات المتعددة والشاملة:

حسب التعريف، تشمل استراتيجيات التجارة الاجتماعية عبر القنوات المتعددة والشاملة استثمار عدة منصات لوسائل التواصل الاجتماعي، سواء بشكل فردي أم مجتمعة، للوصول إلى جمهور متنوع وتعزيز شعبية العلامة التجارية إلى أقصى حد.

مع تبنِّي هذه الاستراتيجيات، يمكن للعلامات التجارية تنفيذ استراتيجيات تسويق متماسكة عبر مختلف القنوات، من خلال تصميم المحتوى والحملات التي تناسب الخصائص الفريدة لكل منصة.

على سبيل المثال، قد تستخدم العلامة التجارية محتوى إنستغرام (Instagram) وتدمجه في صفحات منتجات موقعها الإلكتروني لعرض المنتجات بشكل جذاب، وإلى جانب ذلك، يمكن للعلامات التجارية استخدام نفس المحتوى في قنوات أخرى مثل التسويق عبر البريد الإلكتروني وتحقيق مزيد من النقرات والإيرادات هناك، والمفتاح هو الحفاظ على هوية علامة تجارية موحَّدة مع استثمار نقاط القوة وسلوكات المُستخدِم في كل قناة.

فيما يأتي بعض الاستراتيجيات عبر القنوات المتعددة والشاملة:

1. استضافة حملات مخصَّصة:

أطلق حملات تسويقية مخصصة تناسب خصائص كل قناة، على سبيل المثال، استخدم محتوى جذاباً بصرياً على إنستغرام، ورسائل موجزة على منصة إكس (X).

2. الترويج على القنوات المرتبطة:

نفِّذ عمليات الترويج المتبادل بتشجيع العملاء على قناة واحدة على استكشاف العلامة التجارية والتفاعل معها على قناة أخرى، وقدِّم صفقات حصرية أو محتوى يمكن الوصول إليه من خلال قنوات محددة.

3. التكامل مع وسائل التواصل الاجتماعي:

ادمج وظائف التجارة الإلكترونية مباشرة في منصات التواصل الاجتماعي، فهذا يسمح للمُستخدِمين باكتشاف المنتجات وشرائها دون مغادرة المنصة.

4. الإعلان عبر عدة قنوات:

استخدم مختلف قنوات الإعلانات، مثل إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي والتسويق عبر محركات البحث والإعلانات الرسومية للوصول إلى جمهور أوسع وتعزيز حضور العلامة التجارية.

5. حملات التسويق عبر البريد الإلكتروني:

نظِّم جهود التسويق بالبريد الإلكتروني عبر القنوات، واحرص على الاتساق في الرسائل والتوقيت لضمان حصول العملاء على رسائل كافية.

6. التوافق مع الأجهزة المحمولة:

حسِّن المحتوى بحيث يتوافق مع الأجهزة المحمولة، فيستخدم معظم العملاء عدة أجهزة في أثناء رحلة الشراء، لذلك يعد اتباع نهج متوافق مع الأجهزة المحمولة أمراً هاماً جداً.

في الختام:

يحمل مستقبل التجارة الاجتماعية إمكانات مثيرة لشركات التجارة الإلكترونية؛ لأنَّها الاستراتيجية الوحيدة التي ترفع مستوى الشركات بصرف النظر عن نوعها وحجمها، وتتيح التجارة الاجتماعية للشركات دمج جهودها على وسائل التواصل الاجتماعي وعرضها على جمهور أوسع.

إضافة إلى ذلك، تعدُّ التقنيات المتقدمة مثل الواقع المُعزَّز والواقع الافتراضي في التجارة الاجتماعية من الميزات المثيرة الأخرى التي تجعل من هذه الاستراتيجية الخطة الأفضل لشركات التجارة الإلكترونية، ومن المرجح أن تشكل العديد من التوجُّهات والتطورات مشهد التجارة الاجتماعية في السنوات القادمة.