مع إعادة فتح الحدود واستئناف السفر، تُسارع شركات السفر والضيافة إلى محاولة التعويض عن الوقت والإيرادات التي خسرتها في عامي 2020 و2021، وتعتقد الكثير منها أنَّ موسم 2022-2023 سيكون ناجحاً.
لحسن الحظ يوجد أمل، وتُظهِر أحدث بيانات شركة "يو اس ترافل" (US Travel) أنَّه للمرة الأولى منذ بدء الجائحة، كان الإنفاق على السفر أعلى من مستويات عام 2019 بنسبة 3%، بينما يلاحظ ما يقرب من 60% من المسافرين الأمريكيين أنَّ ارتفاع أسعار الغاز سيؤثر في قرارات السفر القادمة، فإنَّ أكثر من ربعهم يخططون لإنفاق المزيد من الأموال على الإجازات هذا الصيف مقارنةً بعام 2019.
ما زلنا نعيش في أوقات مضطربة، ولا سيما مع زيادة التكاليف في كل مجال تقريباً؛ مما يشكِّل مصدر قلق كبير للمستهلكين، لكن بالنسبة إلى العلامات التجارية في مجال السفر والسياحة، فقد حان الوقت للمضي قدماً في التعافي من آثار الجائحة والعودة إلى خدمة العملاء الذين يتطلعون بعد وقت طويل إلى السفر والاصطياف.
باتِّباع العديد من الاستراتيجيات هذا العام، توجد الكثير من الأشياء التي يمكن أن تفعلها العلامات التجارية للسفر والسياحة في تسويقها لضمان نجاحها على الأمد الطويل.
توقُّع احتياجات المستهلك واهتماماته:
إنَّ أكبر تغيير شهدته العديد من العلامات التجارية للسفر والسياحة خلال العام الماضي هو أنَّ دورة شراء المستهلك أصبحت أطول، ففي حين كان العملاء مستعدين لحجز رحلة طيران أو فندق بعد إجراء القليل جداً من البحث قبل عام 2020، لم يَعُد هذا هو الحال الآن.
بدلاً من ذلك يأخذ العملاء وقتهم في تقرير ما إذا كان السفر آمناً وبأسعار معقولة ومتاحاً لهم ولأسرهم أم لا؛ مما أدى إلى إطالة انتظار شركات السفر بينما يتحول العملاء المحتملون إلى زبائن.
لكن بصفتك شركة سفريات، كان جزء من دورك دائماً هو طمأنة العملاء إلى أنَّ التجربة التي سيحصلون عليها ستكون كما يريدونها، ويتمثل الاختلاف الأكبر الآن في توقُّع والاستجابة إلى المخاوف الجديدة التي نشأت في الأعوام الماضية حول سلامة السفر.
شهدت شركة الرحلات التعليمية "كونتكست ترافل" (Context Travel) هذا التغيير مباشرةً، وحققت نجاحاً من خلال تعديل استراتيجيتها التسويقية وفقاً لذلك.
يقول علي مورفي (Ali Murphy) مدير التسويق في الشركة: "نتواصل مع المسافرين منذ بداية تفكيرهم في السفر؛ وذلك لكسب ثقتهم من خلال إنشاء ومشاركة محتوى مقنع للأشخاص الذين يعودون إلى السفر حديثاً، وهذا تحول كبير عن فترة ما قبل الجائحة عندما كان تركيز جهودنا التسويقية في إقناع الأشخاص الذين كانوا مستعدين لحجز الرحلة".
تقبُّل مخاوف الناس:
من المُحتمل أنَّك قضيت معظم العامين الماضيين في تعديل استراتيجيتك التسويقية باستمرار، ويجب أن تستمر في ذلك الآن، في حين أنَّ المستهلكين قد يشعرون ببعض الخوف تجاه السفر مجدداً، ويجب على العلامات التجارية للسياحة والضيافة أن تتقبل هذه المخاوف بدلاً من غض الطرف عنها، وهنا يجب عليك التفكير من وجهة نظر عملائك وتغيير نهجك في التسويق.
لاحِظ ما تُشير إليه البيانات، هل يتجنَّب عملاؤك الجولات التي تضم مجموعات كبيرة ويبدون اهتماماً أكبر بالرحلات التي تضم مجموعات أصغر أو مع أسرهم فقط؟ أم أنَّ أكثر صفحات موقعك الإلكتروني مشاهدة هي التي تستعرض نشاطات في الهواء الطلق؟
هذه هي الصفحات التي يتعيَّن عليك إعطاءَها الأولوية عند تحديث تحسين محركات البحث. ضع في حسبانك تطابق ما يبحث عنه المستهلك مع رسائلك واستراتيجيتك للكلمات المفتاحية الحالية، وإذا لم يكُن الأمر كذلك، فقد حان الوقت للعثور على بعض مصادر الإعلانات والمحتوى لتصبح هذه الصفحات أكثر اتِّساقاً مع الاستراتيجية والعروض الحالية.
يوجد احتمال قوي أن يهتم عملاؤك بجوانب مختلفة من تجربتهم في المستقبل المنظور عمَّا كان يهمهم في الماضي، ويجب عليك أنت تلبية هذه الاحتياجات؛ على سبيل المثال بدلاً من التوقُّف عن تسويق منتجاتك وخدماتك؛ روِّج الرحلات والمغامرات في الهواء الطلق وتجربة سفر أكثر اهتماماً بالناس.
اغتنام الفرص الجديدة في البحث:
يُعَدُّ تقديم مجموعة جديدة من التجارب في استراتيجيتك للبحث مفيداً، لكن يجب على العلامات التجارية للسفر أيضاً مراقبة الميزات الجديدة في عملية البحث نفسها والتي يمكنها الاستفادة منها؛ على سبيل المثال تزداد شعبية التسويق عبر الأجهزة المحمولة، ويجب أن تستثمر فيه علامتك التجارية للسفر حتماً.
قد لا تفكر على الفور في تطبيق "تيك توك" (TikTok) كجزء من خطة تسويقك عبر نتائج البحث، ولكنَّ مقاطع فيديو موقع "يوتيوب" (YouTube) والتغريدات على موقع "تويتر" (Twitter) تظهر في نتائج البحث، وشقَّ محتوى تطبيق "تيك توك" (TikTok) طريقه إلى نتائج صفحات محركات البحث أيضاً.
بينما يجب أن يبقى محور تركيز محتوى وسائل التواصل الاجتماعي هو جماهير قناتك الأساسية؛ أي الأشخاص الذين يشاهدون المحتوى بالفعل على المنصة، لكن توجد الكثير من الفوائد التي يمكن اكتسابها إذا كان محتواك قابلاً للتصنيف بين نتائج البحث التقليدية؛ لذا ضع ذلك في حسبانك عندما تعمل على استراتيجيتك لوسائل التواصل الاجتماعي وتخطط لإنشاء محتوى جديد وفي أثناء تحسين محتواك، أو اشرح ذلك لفريق علامتك التجارية للتعامل معه.
ينطبق هذا تماماً على العلامات التجارية للضيافة التي تقدم خدمات المطاعم أو النشاطات للمستهلكين، كما هو الحال بالنسبة إلى الشركات التي تسوِّق للوجهة نفسها، ويسمح نهج وسائل التواصل الاجتماعي للبحث (Social-as-search) للعلامات التجارية والشركات بالتأثير فعلياً في مرحلة الاكتشاف ومرحلة اتِّخاذ القرار أيضاً في رحلة شراء المستهلك.
وفقاً لدراسة حديثة من تطبيق "تيك توك" (TikTok)؛ يستخدم 49% من مستخدميه المنصة لاكتشاف شيء جديد، ومن المرجَّح أن يشتروا ما اكتشفوه على الفور أكثر بمعدل 1.5 مرة مقارنةً بالمنصات الأخرى، وتوجد فرصة لم تستثمرها العلامات التجارية في جميع المجالات للحصول على تصنيف بين النتائج عند البحث عن الكلمات المفتاحية التي تُشير إلى نية قوية للشراء، وخاصةً في مجال النشاطات التجريبية والأطعمة والمشروبات، مع محتوى يشجع عليها مثل محتوى تطبيق "تيك توك" (TikTok).
بالنسبة إلى العديد من العلامات التجارية السياحية، لم تكُن هذه الفرص موجودة قبل الجائحة، وما تزال العديد من الشركات الكبرى تمتنع عن استثمارها، لكن للبقاء في السوق وجذب العملاء فقد حان الوقت الآن للاستفادة من هذه الفرص قبل أن يسبقك إلى ذلك أي شخص آخر.
الاستفادة من قنوات التسويق الحالية لتحويل العملاء المحتملين إلى زبائن:
نعلم جميعاً أنَّ قنوات التسويق تقدم أفضل نتائج عندما نفكر فيها على أنَّها مكملة لبعضها وليست وحيدة، ويعني التسويق الدائم (Always-on marketing) أنَّ العملاء يمكنهم الوصول إلى العلامات التجارية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وكل يوم من أيام السنة؛ وبسبب ذلك فهُم يتفاعلون مع محتوى العلامة التجارية عبر العديد من المنصات من الإعلانات إلى وسائل التواصل الاجتماعي ونتائج البحث ورسائل البريد الإلكتروني.
لطالما كان مستهلكو شركات السفر جمهوراً متعدد المنصات ومتعدد المراحل، ولكنَّ إطالة عملية البيع تعني أنَّ تحويلهم إلى زبائن بعد التفاعل معهم عبر عدة نقاط اتصال أصبح صعباً، وإذا كانت علامتك التجارية للسفر أو السياحة لا تستثمر بالفعل قنوات مختلفة في وقت واحد، فقد حان الوقت الآن.
من المؤكَّد أنَّ البحث ما يزال الاستراتيجية طويلة الأمد الأساسية عندما يتعلق الأمر بالتسويق الرقمي، إلَّا أنَّه أيضاً إحدى أكثر الطرائق المضمونة؛ لذا عندما تعمل على محتوى جديد يمكن أن يفيدك في غضون ستة إلى 12 شهراً، ففكِّر في مخاوف العملاء واحتياجاتهم أولاً.
كيف يمكنك أن تجيب عن تلك الأسئلة وتُطمئِن المخاوف أفضل من منافسيك؟
كرِّر هذا المحتوى على منصات أخرى، وفي أثناء انتظارك نتائج التسويق عبر البحث، تواصَل مع جمهورك برسائل إضافيَّة وطرائق إقناع ومحتوى يسلِّط الضوء على السبب الذي يجب أن يشجعهم على الشراء ولماذا يجب أن يزوروا ويثقوا بعلامتك التجارية، والمحتوى الذي يُنشِئه المستخدم هو من الوسائل الرائعة لذلك.
البحث هام بلا شك، ولكنَّه ليس القناة الوحيدة التي ستتفاعل معها قاعدة عملائك الذين يبحثون في خيارات الشراء، ففكِّر في كل قناة على أنَّها فرصة فريدة لجذب جمهورك والمرحلة التي وصلوا إليها في دورة الشراء.
على سبيل المثال إذا كان المستهلك يبحث عن محتوى متعلق بـ "أفضل الأشياء التي يمكنك فعلها في كوستاريكا" (best things to do in Costa Rica)، وكانت علامتك التجارية قادرة على الإجابة عن هذا السؤال من خلال البحث، فقد يكون من المفيد أيضاً محاولة حث هذا المستخدم على الاشتراك في رسالتك الإخبارية التي تحتوي على نصائح السفر إلى كوستاريكا، وأن يتابعك على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على توصيات حول المطاعم المحلية، وأَعِد استهدافه بإعلانات لإعادة التفاعل معه لاحقاً في دورة الشراء. تعامَل مع البحث كنقطة اتصال أولى وليس النقطة الوحيدة، وعزِّز عرضك عبر قنواتك الأخرى.
يُعَدُّ مفهوم وسائل التواصل الاجتماعي للبحث طريقة رائعة لتعريف المستهلكين إلى علامتك التجارية، ومن أكثر الأمور الرائجة على تطبيق "تيك توك" (TikTok) تلك المتعلقة بالسفر، ومع ذلك تمكنت شركة طيران "اير بالتيك" (Air Baltic) من التميُّز عند البحث عن مصطلحات مثل "تصنيف شركات الطيران" و"السفر الأوروبي"؛ وذلك لأنَّ المحتوى الذي يعبِّر عن شخصية الشركة فكاهي ويجذب المشاهدين في أثناء تثقيفهم عن رحلاتها منخفضة التكلفة وطاقمها ووجهاتها ومواعيد رحلاتها.
تقبُّل التغييرات في مجال السفر ككل:
بدلاً من تجاهل التغييرات في مجال السفر أو التفكير في الآثار السلبية؛ اجعَلها جزءاً من حملاتك التسويقية؛ على سبيل المثال مع اندثار مفهوم الحجز غير القابل للاسترداد، فكونك أكثر مرونة مع العملاء بعد الحجز لن يجذب المزيد من الزبائن، ولكنَّ عرض الخيارات المتاحة لهم مسبقاً يمكن أن يميزك.
موقع هوتلز دوت كوم (Hotels.com) هو مثال رائع عن ذلك؛ إذ وضَّحت حملة "السفر الانتقامي" (revenge travel) لعام 2021 فهمهم لمخاوف العملاء بشأن إجراء الحجوزات التي قد يحتاجون إلى تغييرها أو إلغائها في اللحظة الأخيرة، وبدلاً من افتراض أنَّهم يستطيعون العودة إلى تقديم عروض سفر غير قابلة للاسترداد؛ أَقرَّ تسويقهم تماماً بمخاوف العملاء وأوضحَ كيف يتعاملون معها بطريقة تناسب المستهلكين الذين يحتاجون إلى المرونة في السفر.
العملاء مستعدون للسفر، والعلامات التجارية التي تستفيد من الظروف مُهيَّأة إلى تحقيق الأرباح، والعلامات التجارية المستعدة لبذل القليل من الجهد الإضافي ستحظى بتأييد المستهلكين المتحمسين، وسوف يُنظَر إلى العلامات التجارية التي تُلبي التوقعات ببساطة على أنَّها تقوم بالحد الأدنى، ويتطلَّب التسويق الناجح تقديم تجربة "لا تُنسى".
تقول "إيلا بينكوسمي" (Ella Bencosme) منسقة المبيعات والتسويق في منتجع "هوليداي إن أروبا" (Holiday Inn Resort Aruba): "يحقق الاهتمام بتجربة العميل مبيعات أكثر بكثير من المنتجات التقليدية، وخاصةً في مجال الضيافة، وتوجد المئات من الفنادق التي تقدم نفس الخدمات وأماكن الإقامة مثلنا، والذي يميزنا هو القيمة المضافة: المشاعر والانتماء والتجارب الفريدة، ويشتري العملاء الأكثر ولاءً هذا "الشيء المميز" الذي يُشعِرُهم به المنتِج وليس المنتَج نفسه".
هذا أيضاً هو الوقت المناسب للاستفادة من تقييماتك كتكتيك تسويقي، وسيبحث العديد من عملائك المحتملين عن التقييمات التي ستركز في بعض هذه التغييرات الواسعة في المجال؛ مثل سياسات التغيير المرنة ومعايير النظافة والسلامة العامة والبياضات والغسيل والتواصل مع الضيوف الآخرين والخصوصية.
سواء أعجبك ذلك أم لا، فإنَّ الطريقة التي تستجيب بها هامة وسيلاحظها جمهورك، لطالما كانت التقييمات جزءاً أساسياً من مجال السفر والضيافة، وأصبحَ هذا الأمر أهم في السنوات الأخيرة.
ابقَ على اطِّلاع عبر قراءة التقييمات والرد عليها، وخاصةً من أولئك الذين ربما لم يحظوا بتجربة جيدة، وإذا كنتَ بحاجة إلى سبب آخر للاعتناء بتجربة المستخدم، ففكِّر في الوصول الذي ستحصل عليه مع خدمات مثل "غوغل رفيوز" (Google reviews) ووكلاء السفر عبر الإنترنت مثل "إكسبيديا" (Expedia) و"تريب أدفايزر" (Trip Advisor) في صفحات نتائج محركات البحث.
الضمانات من العلامة التجارية ليست كافية لإرضاء المستهلكين، وبدلاً من ذلك سيستمر سماع وقراءة تجارب السفر الحديثة مباشرةً من العملاء عاملاً حاسماً في اتِّخاذ القرار لكثير من الناس.
في الختام:
لقد تغيَّر مجال السياحة والضيافة ربما إلى الأبد، وتوقعات السفر التي حصلت بسبب الجائحة لن تعود إلى سابق عهدها بسهولة؛ لذلك في عالم ما بعد الجائحة يجب على العلامات التجارية للسفر تعديل استراتيجياتها التسويقية لتتماشى مع احتياجات المستهلكين الجديدة والتوقعات والمخاوف، وإنَّ تبنِّي الأشكال الجديدة للتسويق عبر البحث والاستفادة منها، مع الاستمرار في بناء علامة تجارية حسنة السمعة ومتَّسقة في نظر المستهلكين الحريصين على السفر هو السبيل الوحيد للنجاح.