طوال الخمسين عاماً الماضية كان نجاح الشركات مرتبطاً بفاعلية قمع تسويقها، وكان المفهوم بسيطاً، وهو جذب أكبر عدد من الزبائن المحتملين في بداية القمع وتحويل أولئك الذين يصلون إلى نهايته إلى زبائن، لكن هنا تكمن المشكلة، فمجال المبيعات يتطور باستمرار، ولكنَّ قمع التسويق لا يتغير، فلم تعد رحلة المشتري تتبع طريقاً مباشراً من الوعي بالعلامة التجارية إلى التفكير في الشراء منها؛ بل يتبع الناس الكثير من المسارات المتشعبة.
يتحمل قادة المبيعات الآن مسؤولية تطوير قمع التسويق أو إيجاد بديل؛ لذا سنتحدث في هذا المقال عن قمع التسويق، ونناقش كيف يختلف عن عجلة التسويق وكيف يمكنك تحديد أيهما النموذج الأنسب لشركتك.
ما هو قمع التسويق؟
يرمز قمع التسويق إلى المسار الذي يسلكه زبائنك المحتملون ليصبحوا زبائن دائمين، ويصف المراحل المنفصلة لرحلة الزبون من أول تواصل مع الشركة إلى عقد الصفقة.
يبدأ قمع التسويق بعدد كبير من المشترين المحتملين في أعلاه، يُصنَّفون بناءً على معايير معينة لتنخفض هذه المجموعة من المشترين المحتملين إلى عدد أقل من الزبائن المحتملين، وفي منتصف المسار يقل عدد المشترين المحتملين إلى بضعة عملاء محتملين، وبعد مرحلة اتخاذ القرار، تنتهي عملية البيع بصفقة ناجحة أو خاسرة.
مع تحرُّك كل زبون محتمل خلال المسار سيتغير احتمال إتمام الصفقة، وكلما زاد طول قمع التسويق تم تبادل المزيد من المعلومات وتوضَّح استخدام المنتج أكثر للزبون، وفي هذه المرحلة، ثمة احتمال أكبر بأن تنجح الصفقة في نهاية المطاف ما لم تخسر الزبون.
يحل قمع التسويق العديد من المشكلات في المبيعات:
- يقدم نموذج محدد وواضح لإبرام المزيد من الصفقات.
- يساعد على تحديد قيمة المبيعات المستقبلية.
- يسمح لفرق المبيعات بإنشاء إحصاءات متعلقة بحجم وعدد الصفقات المطلوبة لتلبية المتطلبات.
- يساعد قمع التسويق على تحديد منهجية تعليم مندوبي المبيعات تطبيق عملية مبيعات منطقية متسلسلة لعقد الصفقات وزيادة إنتاجيتهم وتخفيض التكلفة لكل زبون متوقع.
مع وضع هذا التعريف لقمع التسويق في الحسبان، سنستعرض مثالين لقمع التسويق من الواقع.
أمثلة عن قمع التسويق:
1. شركة "أودبل" (Audible):
شركة "أودبل" (Audible) هي شركة ترفيه وكتب صوتية تابعة لشركة "أمازون" (Amazon)، تجذب هذه المنصة المشتركين المحتملين إلى قمع تسويقهم من خلال الترويج لتجربة مجانية مدتها شهر واحد، فعندما يشترك المستخدمون يتمكنون من استخدامها مجاناً لمدة 30 يوماً قبل أن يتم تسجيلهم تلقائياً في اشتراك شهري.
2. منصة "هني بووك" (HoneyBook):
تقدم منصة "هني بووك" (HoneyBook) برنامج إدارة الأعمال لرواد الأعمال المبدعين؛ إذ يساعد عامل جذبه الرئيس، وهو اختبار شخصية أرباب الأعمال على تحديد نقاط قوَّتهم، ويطلب من المشاركين تقديم عناوين بريدهم الإلكتروني لتلقي نتائجهم.
استناداً إلى نتائج الاختبار، تتم إضافتهم بعد ذلك إلى حملة رعاية عبر البريد الإلكتروني التي تقدم نصائح تجارية مخصصة لنوع شخصيتهم، مع خيار بدء تجربة باستخدام منصة "هني بووك" (HoneyBook).
سنستعرض الآن 7 خطوات لإنشاء قمع تسويق، وما إذا كان استخدامه هو النهج المناسب لشركتك.
كيفية إنشاء قمع تسويق:
1. تحديد المشكلة التي تريد حلها لزبائنك:
لكي ينجح قمع التسويق لديك يجب أن تفهم جمهورك، وأن تعرف المشكلات التي يواجهونها وتوقعاتهم واهتماماتهم، فكلما زادت معلوماتك كان بإمكانك تقديم منتجاتك بشكل أفضل وتصميم عروض مثيرة للاهتمام.
2. تحديد أهدافك:
حان الوقت الآن لتحديد أهدافك؛ إذ يمكن أن يشمل ذلك جذب المزيد من الزبائن المحتملين أو العروض التوضيحية للمنتجات أو الاشتراك في الرسائل الإخبارية الإلكترونية أو عمليات الشراء، وقد تتيح لك الأهداف تحديد ما تريده من كل مرحلة من قمع التسويق، وهو أمر بالغ الأهمية لقياس ما إذا كان فعالاً أم لا.
3. إنشاء عرض أولي لجذب زبائن محتملين:
قبل أن تتمكن من تحويل الزبائن المحتملين إلى زبائن يجب عليك جذب انتباههم؛ لذا ضع في حسبانك العروض التي يمكن أن تثير الاهتمام، مثل تقديم نسخة تجريبية مجانية أو كتاب إلكتروني مقابل معلومات الاتصال بهم.
4. تأهيل الزبائن المحتملين لتأكيد الاهتمام بالمنتج:
ليس كل الزبائن المحتملين متشابهين، فقد يبدي بعضهم اهتماماً ولكنَّه لا يناسب شركتك وخلاف ذلك صحيح؛ على سبيل المثال، قد يشترك زبون محتمل في نشرتك الإخبارية الإلكترونية، ولكنَّه لا يتناسب مع شخصية الزبون النموذجي لشركتك؛ لذا يجب أن تحدد مواصفات الزبون المحتمل المؤهل، ثم المتابعة مع أولئك الذين يستوفون معاييرك.
5. رعاية الزبائن المحتملين المؤهلين:
في حين أنَّ معظم عمليات رعاية الزبائن المحتملين تتضمن حملة بسيطة عبر البريد الإلكتروني، لديك مجموعة متنوعة من القنوات الأخرى تحت تصرفك، مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو إعادة الاستهداف المدفوعة.
بصرف النظر عن الطريقة التي تختارها، من الضروري تقديم شيء يمكن أن يدفعهم إلى اتخاذ قرار، مثل تجربة مطولة أو خصم خاص، فالهدف هنا هو إزالة أكبر قدر ممكن من العوائق وتشجيع الزبائن المحتملين على المتابعة في قمع التسويق.
6. عقد الصفقة:
في هذه المرحلة من القمع يكون الزبون المحتمل إما قد تحول إلى زبون أو قرر عدم إجراء عملية الشراء، وفي كلتا الحالتين، من الهام إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة، وبالنسبة إلى الزبائن يجب أن تحول جهودك للاحتفاظ بهم وكسب ولائهم، وبالنسبة إلى أولئك الذين لم يقرروا الشراء، عد إلى استراتيجيتك للرعاية وتواصل معهم كل بضعة أشهر، على الرغم من أنَّهم قد لا يتحولون إلى زبائن إلا أنَّ هذا قد يتغير لاحقاً.
7. تتبع النتائج النهائية وتحليل بيانات المبيعات:
يمكن أن تخسر حتى أكثر الزبائن المحتملين المؤهلين بسبب نقاط ضعف في قمع التسويق، وأفضل طريقة لمنع ذلك هي البحث عنها وعن الفرص الضائعة ومجالات التحسين، وتذكَّر أنَّ قمع التسويق ليس ثابتاً؛ بل يجب تحسينه باستمرار.
مقارنة بين قمع التسويق وعجلة التسويق:
تغيرت عملية البيع الحديثة جداً في السنوات القليلة الماضية، ولهذا أصبح قمع التسويق التقليدي نهجاً قديماً، أما اليوم يتحكم الزبائن بعملية البيع، ويقضي المشتري الحديث مزيداً من الوقت في إجراء البحث عن المنتج قبل التعامل مع مندوب مبيعات؛ وهذا يقلل من قيمة مشاركة المعلومات.
ومع المعلومات المعمَّقة بمساعدة الإنترنت، يتطلب التعامل مع المشتري الحديث امتلاك مندوب المبيعات مهارات مختلفة ويظهر في كثير من الأحيان سلوكاً مختلفاً عن المشتري في الماضي؛ على سبيل المثال، قد يشعر المشتري الحديث بالحماسة الشديدة بشأن الشراء، ويقضي الكثير من الوقت في مرحلة البحث، ثم يتوقف فجأة دون استكمالها، وأحياناً دون أي سبب على الإطلاق، وهذه السلوكات هي سبب اعتماد بعض الشركات على عجلة التسويق بدلاً من قمع التسويق.
آلية عمل عجلة التسويق:
لتحريك عجلة التسويق تحتاج إلى الاستثمار في استراتيجيات جذب الزبائن والاحتفاظ بهم، وبمجرد حصولك على عدد كافٍ من الزبائن وضمان نجاحهم وسعادتهم، يصبحون قوة تحرِّك العجلة؛ لأنَّهم إما يشترون منك مرة أخرى أو يجذبون زبائن جدد من خلال الترويج لك عبر شبكتهم الاجتماعية، وهذا هو المفتاح لاستمرار دوران عجلة التسويق دون استثمار جميع مواردك في اكتساب زبائن جدد.
بعبارة أخرى، بدلاً من شرح فريق المبيعات لمنتجاتك أو خدماتك، ستستثمر حماسة زبائنك السعداء للتزكية بك وتكرار المبيعات، ويمكنك باستخدام عجلة التسويق بناء مجتمع للزبائن الذين يساعدون الزبائن الآخرين، وبالنسبة إلى عملية البيع الحديثة، تُعَدُّ عجلة التسويق أفضل من قمع التسويق؛ وذلك لأنَّها تستفيد من الزبائن الحاليين لجذب زبائن محتملين جدد والتفاعل معهم.
كيفية إنشاء عجلة التسويق:
1. فهم أنَّ زبائنك الحاليين أقوى من أي تأثير آخر:
يثق الزبائن المحتملون بقصص وتجارب قاعدة زبائنك الحاليين؛ إذ يثق 84% من المستهلكين في التقييمات عبر الإنترنت بقدر ما يثقون بالتزكية الشخصية؛ لذا استفد من ذلك من خلال التأكد من أنَّ لديك الكثير من حالات الاستخدام وشهادات الزبائن والمراجعات التي تعرض زبائنك الحاليين يشرحون نقاط قوة منتجك أو خدمتك.
2. الطلب من زبائنك المخلصين التأثير الاجتماعي المعلوماتي:
التأثير الاجتماعي المعلوماتي (Social proof) هو فكرة نفسية مفادها أنَّ الناس يحددون ما هو صحيح وفق ما يعتقد الآخرون أنَّه صحيح؛ لهذا تحظى تقييمات الزبائن بثقة أكبر بمقدار 12 ضعفاً من وصف الشركات المصنعة، فوسائل التواصل الاجتماعي هي أداة قوية لإنشاء دليل اجتماعي، فاسمح لقصص وتجارب زبائنك السعداء بإنشاء محتوى يحول الزبائن المحتملين إلى زبائن.
3. تحديد نقاط القوة والضعف:
تشمل نقاط القوة تقديم معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب، وفهم مشكلة جمهورك جيداً ومهارات الإصغاء والاستجابة عموماً، ومن ناحية أخرى، تبطئ نقاط الضعف عملية البيع، خاصة عندما يضطر الزبون المحتمل إلى المرور بالكثير من الخطوات أو مواجهة عقبات أو مضايقات خلال عملية البيع.
من خلال تحديد نقاط القوة والضعف، يمكنك مضاعفة النشاطات التي ستساعد على إجراء عملية البيع بسلاسة، وإزالة العوائق غير الضرورية، وهكذا تستمر عجلة التسويق بالدوران ويبقى المشترون سعداء.