هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة ومديرة المحتوى "بيكا فريجر" (Becca Frasier)، وتُحدِّثنا فيه عن المحتوى سريع الزوال وأثر تنامي شعبيته في المسوقين.

فكِّر للحظة في صورة لها قيمة عاطفية بالنسبة إليك، وتخيل أنَّك تنظر إليها واسمح للمشاعر التي شعرت بها عندما التقطتها بأن تتملَّكك مجدداً، ثم أغمض عينيك وتخيَّل كيف تبدو تلك الصورة.

غالباً إذا كنت تنظر إلى صورة مميزة، فقد احتفظت بنسخة مطبوعة منها، لكنَّ هذا الوضع يتغير بسرعة، وفي المستقبل، من الممكن ألا يملك الأفراد من الجيل زد أو جيل الألفية أي صور تذكارية تحمل قيمة عاطفية ليتأملوها.

التغيير في طريقة تفاعلنا مع الصور

قبل أن أتعمَّق كثيراً في موضوع التسويق بالمحتوى سريع الزوال (Ephemeral marketing)، أود أن أخبركم أنَّني لست عجوزة؛ بل في الواقع، أنتمي إلى جيل الألفية، لكنَّني وُلدت أيضاً في العام الذي يلي نهاية فترة ولادات الجيل إكس؛ أي إنَّني باختصار، أحب التكنولوجيا لكنَّني أمضيت أيضاً بعض السنوات من مرحلة حياتي الأولى في وقت التقط الناس الصور بالكاميرا التقليدية وكتبوا الرسائل على الآلات الكاتبة. هذه ذكريات قديمة الآن، لكنَّ تلك التجارب أثرت في طريقة تفاعلي مع المحتوى الرقمي.

وجدت دراسة حديثة أجرتها شركة "شاترفلاي" (Shutterfly)، أنَّ الأمريكيين يلتقطون الآن أكثر من 10 مليارات صورة كل شهر. وقال نحو 60% من الأشخاص الذين استُطلعَت آراؤهم إنَّ هواتفهم المحمولة هي جهاز التقاط الصور الأساسي.

ومع ذلك، لم ينظر 50% من الأشخاص الذين استُطلعَت آراؤهم إلى صورة عمرها أكثر من 10 سنوات في الشهر الماضي، ولم يشارك الناس أكثر من نصف الصور الجديدة بعد أن التقطوها؛ وهذا يعني أنَّ مليارات الذكريات معرَّضة لخطر النسيان والضياع.

قديماً التقط الناس الصور للحفاظ على ذكريات حدث ما، أما الآن يستعملونا استعمالاً أساسياً ليخبروا الآخرين أنَّهم شاركوا في حدثٍ ما، ونادراً ما يعودون إليها؛ إذ إنَّهم يلتقطونها لتُستَهلَك في لحظتها. وجد البحث المذكور آنفاً، أنَّ جيل الألفية يلتقطون صوراً أكثر من أي جيل آخر، بمتوسط أكثر من 100 صورة كل شهر، لكن من غير المرجح أن يكونوا نظروا مجدداً إلى صورة قديمة منذ شهر.

يتفق 90% من ملتقطي الصور بأنَّ تذكُّر القصة المرتبطة بالصورة ومشاركتها مع شخص آخر يزيد من أهميتها؛ إذ قال 84% منهم إنَّهم سمعوا قصص ذكرياتهم العائلية في أثناء مشاهدة الصور أو من قراءة التفاصيل المكتوبة أسفلها، وقال نحو نصف الذين شملهم الاستطلاع إنَّ الأمريكيين لا يقضون وقتاً كافياً مع عائلاتهم لاسترجاع القصص التي صاحبت لحظات التقاط الصور.

المستقبل دون ذكريات

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post) أخيراً مقالاً عن عدم اهتمام جيل الألفية بأن يرثوا الكنوز العائلية من الجيل السابق، ومن ذلك ألبومات الصور، ونُقِل المقال عن "سكوت رويور" (Scott Roewer)، وهو شخصٌ يعشق التنظيم، قوله: "يعيش جيل الألفية حياتهم رقمياً من خلال منصات "إنستغرام" (Instagram)، و"فيسبوك" (Facebook)، و"يوتيوب" (YouTube)، وهذه هي الطريقة التي يحتفظون بها بذكرياتهم. حياتهم كلها موجودة على جهاز حاسوب، ولا يحتاجون إلى صندوق مليء ببطاقات المعايدة".

بدأت حماتي منذ فترة بإعطائي صور زوجي حينما كان طفلاً؛ والتي أحببتها، لكنَّني أشعر أنَّها مصدر للفوضى، وعلاوة على ذلك، أشعر بالقلق لكون هذه الذكريات الثمينة موجودة فقط كصور ورقية؛ وإذا فقدت صورة، فستختفي إلى الأبد. أنا أعلم أنَّه يجب عليَّ تخصيص فترة ما بعد الظهيرة لأرشفة الصور رقمياً، لكن منذ أن أصبحت أمَّاً أشعر بالإرهاق دائماً وأفتقر إلى الحافز.

من ناحية أخرى، أشعر بمستوى مماثل من القلق عندما تحولت أَحَبُّ صوري إلى صور رقمية فقط، حتى إنَّني أمضيت ليالياً عدة مستيقظة، أتساءل أين حفظت صورة معينة، فهل شاركتها على موقع "فيسبوك" (Facebook) أم "إنستغرام" (Instagram)؟ وهل احتفظت بالنسخة الأصلية عالية الدقة على منصة "فليكر" (Flickr) أو "دروبوكس" (Dropbox)؟ ومتى كانت آخر مرة أجريت نَسْخاً احتياطياً لصور هاتفي؟ وازداد هذا القلق منذ ولادة طفلتي؛ وذلك لأنَّني الآن سأحزن كثيراً إذا فقدت آلاف الصور ومقاطع الفيديو التي التقطتها لها.

ثم بدأت التفكير فيما إذا كنت سأرتكب خطأً إذا لم أطبع أغلى الصور على قلبي، لكنَّني أجد صعوبة في تخيُّل مستقبلٍ أجلسُ فيه مع ابنتي البالغة من العمر 30 عاماً، أحمل جهازاً إلكترونياً أُقلِّب بين مئات الآلاف من الصور ومقاطع الفيديو التي التقطتها لها طوال حياتها؛ وذلك لأنَّني أظن أنَّ الحفاظ على كل تلك الذكريات سيقلل من أهميتها الفردية.

التحول نحو المحتوى سريع الزوال

لحسن الحظ، الطريقة التي نشارك بها المحتوى ونستهلكها تتجه نحو حل وسطي؛ إذ تتيح تطبيقات مثل "سنابشات" (Snapchat)، و"بيريسكوب" (Periscope)، و"ميركات" (Meerkat) للمستخدمين إنشاء محتوى يستحق المشاركة، ولكن لا يستحق الحفظ تماماً.

ومع استعمال 87% من جيل الألفية ممن لديهم هواتف ذكية وظيفة الكاميرا أسبوعياً، فإنَّ هذا التحول يعني أنَّ جيل الألفية سيشاركون مزيداً من المحتوى المخصص للاستهلاك السريع، وسيلتقطون عدداً قليلاً من الصور الدائمة للأشياء الهامة حقاً.

ينتج عن هذا طريقة مميزة لانتقاء الذكريات الدائمة، التي لا تختلف عن النهج الذي اتبعه والداي في الثمانينيات والتسعينيات، وهي أن تلتقط بعض الصور للأحداث الكبرى، وشارك البقية للمتعة اللحظية.

فكر في الأمر بهذه الطريقة: نودُّ جميعاً مشاهدة لقطات لحيواناتنا الأليفة وهي تتجول في المنتزه، لكن هل تريد حقاً الاحتفاظ بعشرات من هذه الصور ومقاطع الفيديو على جهازك المحمول، أو لتَشْغَل جزءاً من مساحة التخزين؟ بالطبع لا؛ لذا فإنَّ البديل هو التقاط صورة أو صورتين دائمتين للحظات المميزة، مثل عندما يقفز الكلب في بركة طينية، لكن شارك البقية كمحتوى سريع الزوال عبر التطبيق الذي تفضله.

تأثير المحتوى سريع الزوال في المسوقين

في أعقاب التغيرات على نمط الحياة، يجد المسوقون أنفسهم أمام فرصة كبرى للوصول إلى جمهور شاب، لكنَّ الأساليب التقليدية لإنشاء المحتوى والمقاييس التي كانت تُستعمل لتقييم فاعليتها، لن تفيد في هذا العالم الجديد.

يستعمل مزيدٌ من الأشخاص تطبيقات المحتوى سريع الزوال للمشاركة؛ لذا ينحصر اهتمامهم بما يريد المسوقون عرضه عليهم. ونظراً لتوقع تجاوز مشتريات جيل الألفية تريليون دولار بحلول عام 2020، فقد حان الوقت الآن للعمل على الوصول إليهم.

عند النشر على تطبيقات المحتوى سريع الزوال، تأكد من إنشاء محتوى يريد المستخدمون مشاهدته بالفعل؛ إذ نشر كل من موقع "ياهوو" (Yahoo) و"تمبلر" (Tumblr)، بالتعاون مع شركتي مع "ديجيتاس" (Digitas) و"ريزورفيش" (Razorfish)، دراسةً ترشد المسوقين إلى أفضل ممارسات تسويق المحتوى للتواصل مع جيل الألفية، ومن بين أهم النقاط التي يجب وضعها في الحسبان أنَّ جهات التسويق يجب أن تنشئ محتوى أصلياً يتعلق بالبيئة التي يستضيفها الموقع، ولكن لا يضلل المشاهد.

ما الذي تنتظره؟ حان الوقت للبدء بالتسويق سريع الزوال من خلال إنشاء محتوى مصمم للاستهلاك السريع، سواء كنت تنشئ ذكريات أم تشاركها.