على مدى السنوات القليلة الماضية ازداد اهتمام المستهلكين بكيفية استخدام الشركات لبياناتهم، ويشعر الكثيرون بالقلق تجاه حماية خصوصيتهم، وفي الواقع وجدت الأبحاث أنَّ 80% من المستهلكين يعتقدون أنَّ خصوصية البيانات حق من حقوق الإنسان.
أصبح أمن البيانات مكوناً هاماً للاحتفاظ بالزبائن على الأمد الطويل وكسب ولائهم؛ لذلك من الهام أن تتصرف العلامات التجارية بمسؤولية عندما يتعلق الأمر بجمع بيانات المستهلك وحمايتها.
لكنَّ العديد من المسوقين اعتمدوا على بيانات الجهات الثالثة لسنوات؛ لذلك من المحتمل أن يتسبب تخلُّص شركة "غوغل" (Google) تدريجياً من ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث بحلول عام 2023 ببعض القلق غير المُبرَّر لحسن الحظ.
سوف نستعرض في هذا المقال الاستراتيجيات الفعالة التي سيطبقها المسوقون ليضمنوا أن يظلوا قادرين على الوصول إلى جماهير جديدة، وعلى التواصل مع الزبائن حتى دون بيانات الجهات الخارجية، وهذه الاستراتيجيات هي:
1. تعزيز أو تطوير عمليات جمع البيانات ونماذج الإدارة:
توجد طريقة واحدة مؤكدة للتحضير للتخلص التدريجي من ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث وهي البدء بتطوير أو تحسين استراتيجية قوية لبيانات الطرف الأول.
كما يقول "جون لي" (John Lee) رئيس قسم ترويج نظام "مايكروسوفت أدفرتايزينغ" (Microsoft Advertising): "يعمل نظام "مايكروسوفت أدفرتايزينغ" (Microsoft Advertising) في مجال الإعلان الرقمي ومع العميل لتطوير ورفع مستوى خصوصية البيانات من أجل عالم خالٍ من ملفات تعريف الارتباط ويحمي الخصوصية، في حين أنَّه ما من حل حالياً لإدارة رحلة البيانات من البداية إلى النهاية، ولكنَّنا ننصح زبائننا باتخاذ خطوات الآن لإعداد استراتيجية بيانات طرف أول والبدء بتطبيق ممارسات إدارة بيانات قوية".
يضيف: "يتصدر الطرف الأول المشهد، والآن حان الوقت للتأكُّد من أنَّك تملك أفضل الموارد والمعلومات المتاحة لتعزيز أو تطوير عمليات جمع البيانات ونماذج الإدارة لديك، وستتوقف قدرتك على تكوين علاقات أفضل وتحقيق النجاح في المستقبل على التواصل مع زبائنك بشفافية وبأسلوب مخصص يقدم لهم فائدة".
في النهاية سيمكِّن إنشاء إطار عمل قوي لإدارة بيانات الطرف الأول شركتك بأكملها من التخلي بسلاسة عن بيانات الطرف الثالث مع الاستمرار في الوصول إلى آفاق وزبائن جدد.
2. جمع بيانات الزبائن من خلال التسويق عبر البريد الإلكتروني:
تعتقد "سينثيا برايس" (Cynthia Price) نائبة الرئيس الأول للتسويق في شركة "ليتموس" (Litmus)، أنَّ التسويق عبر البريد الإلكتروني يُعَدُّ خياراً قوياً للاستمرار في جمع بيانات الزبائن والزبائن المحتملين بدلاً من الاعتماد على ملفات تعريف الارتباط التابعة لطرف ثالث.
كما تقول برايس: "تعتمد حوالي 8 من كل 10 جهات تسويق على ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث؛ لذلك عندما تختفي فإنَّ أولئك الذين لم يهيِّئوا هياكل بياناتهم وعمليات جمع البيانات لديهم للعمل دونها سيكافحون لتخصيص برامج البريد الإلكتروني بفاعلية".
لمواجهة هذه التحديات يجب على المسوقين إجراء تغييرات للتأكُّد من أنَّ استراتيجياتهم للبريد الإلكتروني تعتمد على بيانات الطرف الأول؛ مما سيساعدك أيضاً على إنشاء تجربة بريد إلكتروني أكثر تخصيصاً.
تقول برايس: "يمكن استخدام البريد الإلكتروني لجمع بيانات الزبائن والزبائن المحتملين باستخدام برنامج بريد إلكتروني جديد ومتطور ومع قوالب محتوى ديناميكية، وتُعَدُّ النماذج وخيارات الشراء عبر البريد الإلكتروني ومسارات التسويق القابلة للتخصيص كلها أساليب صالحة وناجحة لجمع المزيد من معلومات المستلم مباشرةً".
تضيف برايس: "لم تتمكن العلامات التجارية التي تعاني من عزلة البيانات في هياكلها من عرض جميع بيانات زبائنها معاً؛ إذ تكون البيانات متفرقة المصادر".
تكمل برايس: "إنَّ تطور شروط الخصوصية سيضع البريد الإلكتروني بشكل أكبر في مركز عملية التسويق؛ كقناة تقدِّم عرضاً شاملاً لبيانات الطرف الأول والبيانات معدومة الطرف، ويمكن استخدامها بفاعلية".
تتابع قائلة: "سيقدم اعتماد البيانات المباشرة وبيانات الطرف الأول أيضاً المزيد من الخيارات لاستخدامات عملية للذكاء الاصطناعي في البريد الإلكتروني، مع صفحات الجوال المسرعة وأتمتة المحتوى الديناميكي".
3. التركيز أكثر في ولاء الزبائن والاحتفاظ بهم:
سيؤثر التخلص التدريجي من ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث في كيفية جذب بعض المسوقين لزبائن جدد، ولكنَّه لن يؤثر في كيفية احتفاظهم بالزبائن الحاليين؛ ولهذا سيتكيَّف بعض المسوقين مع هذا التغيير من خلال إعادة توجيه جهودهم.
تقول "كاري باركر" (Carrie Parker) نائبة الرئيس الأول للتسويق في شركة "كورديال" (Cordial): "إنَّ تخلُّص شركة "غوغل" (Google) تدريجياً من ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث، يجبر جهات التسويق والمعلنين على التفكير في التفاعل مع زبائنهم وجماهيرهم بطرائق شخصية صادقة، ومع اختفاء ملفات تعريف الارتباط سيصبح اكتساب زبائن جدد أكثر تعقيداً، لكن من ناحية أخرى سيصبح الاحتفاظ بالزبائن أهم مما كان عليه في الماضي".
تضيف: "يركز المزيد من المسوقين تركيزاً متزايداً في الولاء والاحتفاظ بقاعدة زبائنهم الحالية، وتعزيز التجربة التي يقدمونها من خلال استثمار المعلومات المتاحة التي يقدمها المستهلكون بسهولة".
وفقاً لباركر فقد أجرت شركة كورديال مؤخراً دراسة وجدت أنَّ 70% من المستهلكين لا يحبون الإعلانات عبر الإنترنت التي تستهدفهم وفقاً للمواقع الإلكترونية والمنتجات التي تصفحوها؛ بل على النقيض من ذلك، من المرجَّح أن يشتري أكثر من ثمانية من كل 10 مستهلكين من المتاجر والعلامات التجارية التي تتواصل معهم بطرائق مخصصة تناسبهم.
تتابع باركر: "يريد المستهلكون المزيد من الشركات عندما يتعلق الأمر بالتخصيص مقارنةً مع ما يتلقونه من معظم العلامات التجارية هذه الأيام، ولا يعني التخصيص كتابة اسم المتلقي في البريد الإلكتروني؛ بل يتطلب الأمر مراعاة القيمة التي تقدمها للمستهلك والاحتفاظ به بصفته زبوناً مخلصاً.
مع التخلُّص من ملفات تعريف الارتباط تسمح استراتيجيات بيانات الطرف الأول للعلامات التجارية بالتركيز في التخصيص والولاء والاحتفاظ بزبائنها؛ إذ يمكن للعلامات التجارية استهداف قاعدة زبائنها وتوفير شيء له قيمة لتشجيعهم على التعامل معها مجدداً".
في النهاية يُعَدُّ التخلص التدريجي من ملف تعريف ارتباط الطرف الثالث فرصة جيدة لإعادة تقييم كيفية تفاعلك مع الزبائن الحاليين والجدد، وستساعدك استراتيجيات بيانات الطرف الأول في النهاية على التواصل بشكل أفضل مع زبائنك.
4. التركيز في أفضل الانطباعات بدلاً من أفضل المستخدمين:
تقول "ميليندا هان ويليامز" (Melinda Han Williams) كبيرة علماء البيانات في شركة "دستيلري" (Dstillery): "أحد أكثر الجوانب صعوبة في التحضير لهذا التغيير هو أنَّ أيَّة حملة جيدة ستتضمن مجموعة من حلول وتقنيات تأخذ في الحسبان اختفاء ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث، وما تزال أمام المسوقين - الذين قطعوا شوطاً طويلاً في رحلات الاختبار استعداداً لاختفاء ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث - تحضيرات كثيرة".
تضيف: "تسمح حلول الهوية الجديدة مثل "يو آي دي2" (UID2) و"رامب آي دي" (RampID) للمسوقين بالوصول إلى الأشخاص الذين اختاروا السماح لهم بتتبعهم وتحديد موقعهم، وقد اقترب المسوقون الذين اختبروا هذه الحلول نحو الاستعداد لمرحلة ما بعد ملفات تعريف الارتباط، ولكنَّهم ليسوا مستعدين بالكامل بعد؛ وذلك لأنَّ بعض الناس لا يقبلون تتبعهم على الإنترنت".
تُشير ويليامز إلى أنَّ المسوقين بحاجة إلى إعداد حلول للوصول إلى الناس دون تعقبهم أو المساس بخصوصياتهم أو تفضيلاتهم، والحل هو فهم أنَّك قد لا تحتاج إلى الكثير من البيانات عن كل زبون في المقام الأول.
كما تتابع ويليامز: "لحسن الحظ لستَ بحاجة إلى معرفة مَن هو شخص ما لمعرفة ما إذا كان سيقبل رسالتك أم لا، ويتيح الذكاء الاصطناعي (AI) اليوم للمسوقين اختيار أفضل الانطباعات بدلاً من أفضل المستخدمين، وبمجرد إعادة صياغة المشكلة بهذه الطريقة - بدلاً من محاولة اكتشاف أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المستخدم والحصول على بيانات ازداد الحصول عليها صعوبة - من الممكن إجراء استهداف يعتمد على عملية جرد من خلال حلول تضاهي من حيث الأداء الحلول التي تعتمد على ملفات تعريف الارتباط والحلول التي تعتمد على التتبع والتي ستُزال قريباً".
في الختام
التغيير صعب دائماً، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالطرائق التي يصل بها المسوقون إلى جماهير جديدة، لكن لحسن الحظ من المرجَّح أن يكون هذا التغيير إيجابياً، وسيساعد التحول إلى نموذج بيانات الطرف الأول شركتك على جذب غالبية المستهلكين الذين يترددون في مشاركة بياناتهم مع الشركات، وسيعمل على إعدادك للنمو طويل الأمد بعد تخلُّص شركة "غوغل" (Google) تدريجياً من ملفات تعريف الطرف الثالث.