لا يُمكِنُ بأي حال إنكار العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية، فنحنُ نعرف محاسن ومساوئ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكنْ من الهام أن نعرف أنَّ ثمة شخص يعمل بجدٍّ على الحسابات الاجتماعية لعلاماتك التجارية المُفضَّلة، وأنَّ مقابل كل جزء مفيد من المحتوى الاجتماعي الذي نراه تُوجَدُ مشكلات وأخبار مُحبِطَة.
ما يثيرُ الدهشة هو أنَّ مُتوسِّطَ الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي بلغ ذروته بمقدار 147 دقيقة في اليوم، وتحدُثُ تفاعلاتنا الشخصية اليومية عبرَ شاشات الهواتف الذكية أكثر فأكثر.
مع ذلك يؤدي تسليط المجتمع الأضواء على وسائل التواصل الاجتماعي إلى نقاشات مثمرة حول الصحة النفسية، إضافةً إلى معالجة وصمة العار المُرتبِطَة بمَن يعانون.
نُوضِّحُ أدناه كيفية إدارة العلاقة بين الصحة النفسية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويتضمَّنُ ذلك عادات صحية ونصائح حول كيفية التعامُل معها على الصعيدين الشخصي والمهني.
وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية: المشهد العام
خُذْ في الحسبان أنَّ واحداً من كل خمسة أمريكيين يقول إنَّه يتلقى علاجاً نفسياً، وبالنظر إلى الدور الجوهري الذي باتت تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية؛ لا يسعُنا تجاهل تأثيرها في سلامتنا وعافيتنا إيجاباً أو سلباً. لنبحَثْ الأمر من كلا الجانبين.
لماذا وسائل التواصل الاجتماعي مضرة بالصحة النفسية؟
لوسائل التواصل الاجتماعي سمعة سيئة عندما يتعلَّق الأمر بالصحة النفسية، والأمر فيه وجهة نظر إذا أخذنا في الحسبان ما يلي:
الضغط الناجم عن الخوف من فوات شيء ما وثقافة البقاء على تواصُل:
يُعَدُّ التواصل مع الأصدقاء والزملاء وبقية العالَم على مدار الساعة سيفاً ذا حدين، وتُمثِّلُ ثقافة البقاء على تواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضغطاً غير مُعلَن كونها تَستَلزِمُ نشاطاً دائماً: "الإصغاء والحضور والنشر على الدوام"، وقد أدى هذا إلى ظاهرة الخوف من فوات شيء ما (FOMO) والضغوطات التي تُصاحِبُ ذلك، وهذا يشمُلُ الضغطَ الناجمَ عن:
- البقاء على اطِّلاع: من نشرات الأخبار التي لا تنتهي إلى الإعلانات والمستجدات، يُوجَدُ جدولٌ لا ينضُب من المحتوى، وتُعَدُّ مواكبة كل شيء أمراً مُرهِقاً جداً، وهذا يشمُلُ المحتوى الذي نريد متابعته.
- الاستجابة: ينطبق هذا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الصعيدين الشخصي والمهني، والتوقعات عالية عندما يتعلَّق الأمر بتوقيت الاستجابة إلى المُستخدِمين، ويُعَدُّ عدم الرد على رسالة شخص ما أمراً غير لائق.
- النشر: يشعُرُ العديدُ من المُستخدِمين بأنَّهم مضطرون إلى النشر حتى عندما لا يرغبون في ذلك، وتُفيدُ الأبحاث أنَّ 45% من الجيل زد (Z) يعانون من ضغطٍ هائلٍ ليكونوا مثاليين على وسائل التواصل الاجتماعي.
الأخبار السلبية والصراعات تنجح على وسائل التواصل الاجتماعي:
آلية عمل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي مُعقَّدة جداً، ومع ذلك تقول الحكمةُ التقليديةُ بأنَّ الخوارزميات تنحاز إلى مَن يربح أكبر عدد من النقرات والتعليقات والمشاركات، وهذا ما يُفسِّرُ صناعة محتوى مثير للجدل أو قائم على الصراع.
يؤدي هذا إلى تأثير متزايد في صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وكلَّما زادَ عدد التفاعلات التي يحصلُ عليها المنشور المثير للجدل، انحازت الخوارزميات إليه، وإلى جانب الضغط الناجم عن الرغبة في البقاء على اطِّلاع، أصبحَت العادات السلبية مثل التصفُّح السلبي (doom-scrolling) شائعة الآن.
الآثار السلبية للاستخدام المُفرِط:
كما ذكرنا آنفاً؛ الوقت الذي نقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي آخذ في الازدياد، وهذا مصدر قلق كبير للآباء على أبنائهم، وقد نُشِرَ بحثٌ مُستفيضٌ حول السلبيات المرتبطة بقضاء وقت طويل أمام الشاشة، وتبيَّنَ أنَّ هذا يؤدي إلى:
- التعب.
- الكآبة.
- اضطراب النوم.
بالتأكيد لا أحد يُكرِهُنا على التحديق في الشاشات طوال اليوم "ما لم يكُن ذلك جزءاً من وظيفتنا"، والهواتف الذكية موضوع غير قابل للنقاش في حياتنا العصرية، ولكنَّ هذا لا ينفي المشكلات الصحيَّة المُرتبِطَة بها.
كيفَ تُساعِدُ وسائل التواصل الاجتماعي الناس على تحسين صحتهم النفسية؟
الآثار السلبية المُحتمَلة لوسائل التواصل الاجتماعي واضحة، ومع ذلك يجب ألَّا نتجاهَلَ تأثيرها الإيجابي، ونُسلِّطُ الضوءَ أدناه على فوائد وسائل التواصل الاجتماعي لسلامتِنا وعافيتنا.
1. رفع الوعي لدعم القضايا والناس:
أثارَت منصات مثل تويتر (Twitter) وإنستغرام (Instagram) جدلاً لا يتوقَّف بشأن القضايا الاجتماعية، وينطبقُ هذا تحديداً على المشكلات التي قد لا يواجهها الأشخاص وجهاً لوجه في مجتمعاتهم. يتضمَّن هذا:
- مصادر الصحة النفسية والعلاج.
- التوعية بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
- دعم الفئات المُهمَّشة.
2. بناء المُجتمَع والعلاقات:
على عيوبها؛ تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي مكاناً مُناسِباً لتوحيد الناس، وهذا يشمُلُ بناء مجتمع يضم أشخاصاً من جميع مناحي الحياة، ومن الفنانين الذين يتواصلون مع المعجبين إلى الأصدقاء الذين يبقون على اتِّصال، يُمكِنُ إجراء تواصُل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة أسهل من أي وقت مضى.
3. إمكانية التواصُل والتعلُّم بصرف النظر عن المكان:
على الأقل أتاحَتْ وسائل التواصل الاجتماعي التواصل وحرية تبادُل المعلومات. ضَعْ في حسبانك عدد الأشخاص الذين يَستَخدِمون وسائل التواصل الاجتماعي حصرياً للتواصُل، وبوجود ما يزيد عن ستَّة مليارات هاتف ذكي في العالَم، تُوفِّرُ المنصات الاجتماعية مكاناً للتواصُل والمشاركة والتعلُّم.
كيفية إعطاء الأولوية للصحة النفسية كونك مهنياً على وسائل التواصل الاجتماعي:
التعامُل مع الاحتراق الوظيفي الناجم عن وسائل التواصل الاجتماعي صعب للغاية، ولا سيما عندما تكون وظيفتك مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي.
التعامُل مع السلبية وحتى الإساءة من الغرباء أمر سيِّئ جداً، وإنَّ التعامُل مع تلك المحادثات الصعبة والمشكلات المذكورة أعلاه يَجعَلُ الأمر يبدو أسوأ.
إذا كنتَ تعاني من هذا الأمر، فإليك بعض النصائح للحفاظ على صحتك النفسية كونك موظفاً على وسائل التواصل الاجتماعي:
1. ضَعْ الحدود:
هذا أهم ما في الأمر؛ إذ يُعَدُّ الدفاع عن نفسك في دور مهني أمراً بالغ الأهمية، وهذا يعني وضع حدود فيما يتعلَّقُ بما هو مقبول في واجباتك اليومية، وعليك وضع الحدود عندما يتعلَّقُ الأمر بما يلي:
- التعليقات والنقد من العملاء: أَدرِك ذلك عندما يتمادى العميل؛ إذ يُوجَدُ خط فاصل بين المواجهة والإساءة يجب على العملاء عدم تجاوزه. احتفِظ بالحق في الابتعاد عنهم عندما يفعلون ذلك.
- المساعدة والدعم: تعرَّفْ إلى دورك ونطاق عملك. عملك في وسائل التواصل الاجتماعي لا يعني أنَّه يجب أن تكون مُعالِجاً أو وسيطاً في النزاعات.
- وقت الاستراحة: عندما تكون خارج الدوام، يجب أن تبتعدَ عن كلِّ ما يتعلَّقُ بالعمل، وقد يتطلَّبُ هذا بعض التعوُّد إذا كنتَ تعملُ عن بُعد، ومع ذلك فإنَّ البقاء متصلاً على مدار الساعة أمرٌ مُرهِقٌ نفسياً.
2. اعتمِد على فريقك:
من المفارقات أنَّ العمل في وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون مُوحِشاً للغاية، فلن تُلبي الدردشة مع العملاء ونشر المحتوى حاجتك إلى التفاعُل الشخصي.
يدلُّ هذا على قيمة التعاون مع فريقك والتواصُل معهم باستمرار، ويجبُ أن تَشعُرَ بالدعم وأن تدعمَ بالمثل أولئك الذين قد يواجهون الاحتراق الوظيفي.
تَستَخدِمُ العديد من الشركات تطبيق سلاك (Slack) لهذا السبب بالذات؛ على سبيل المثال خَصَّصَت بعض الفِرَق قنوات للاحتفاء بعضها ببعض، أو مشاركة الميمات (memes). فكِّر في قناة فريقك كمكان للحصول على دفعة من السعادة على مدار اليوم.
3. أَضِف الطابع الشخصي إلى حضورك المهني:
يُمكِنُ التواصُل مع الآخرين عبر المحتوى؛ على سبيل المثال "تبذُلُ العديد من العلامات التجارية قصارى جهدها لإظهار الجانب الإنساني عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، ويؤدي القيام بذلك إلى تعزيز الولاء لعلامتك التجارية، وتشمل بعض الأفكار ما يلي:
- المحتوى المفيد أو المرح.
- محتوى ما وراء الكواليس أو محتوى يعكسُ شخصيتك وليس شخصية شركتك.
- المحتوى المُلهِم أو التحفيزي.
غالباً ما تستفيد العلامات التجارية عندما لا يكون حضورها على وسائل التواصل الاجتماعي مهنيَّاً محض. في إمكانك دمج المحادثات حول الصحة النفسية في المحتوى الذي تُقدِّمه.
4. قسِّم مهامك حيث تكون أكثر قابلية للإدارة من الناحية الذهنية:
نصيحة مهنية: لا تجلبْ لنفسك ضغوطات ليس لها داعٍ.
تجاهَلْ طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي المُتمثِّلة في البقاء على تواصل طوال الوقت إلَّا إذا كنتَ تعملُ في منصبٍ يُحتِّمُ عليك ذلك، لكنْ حتى في هذه الحالة ليسَ عليك الانشغال في المهام الشاقة دون فترات راحة، فضَع في حسبانك أساليب إدارة الوقت مثل تقنية بومودورو (Pomodoro)، وقسِّم مهامك المُتعِبَة نفسياً إلى أجزاء بدلاً من التعامُل معها جميعاً دفعة واحدة.
ما لم تكُنْ تتعامل مع حالة طوارئ حقيقية، فيُمكِنُ أن تنتظر الردود على وسائل التواصل الاجتماعي من العملاء والزملاء لدقيقةٍ أو دقيقتين. امنَحْ نفسَكَ مساحةً للتنفُّس.
5. مارِس الرياضة:
لا تستخف بالاستيقاظ المبكِّر والاستراحة، واعتماداً على حالتك قد يعني ذلك ممارسة اليوجا أو المشي لمدة 10 دقائق، وقد يستغرق الأمر أيضاً بضع ثوانٍ للوقوف والتمدُّد. لا يُمكِنُ تجاهل العلاقة بين المكاتب التي يُمكِنُ ممارسة العمل وقوفاً خلفها والإنتاجية.
على الأقل ابذلْ جهداً واعياً لأخذ فترات راحة بعيداً عن جهاز الحاسب وهاتفك الذكي، وربما يعني ذلك تدوين الملاحظات يدوياً أو إجراء مكالمة دون تشغيل كاميرا الويب، فاختَرْ ما يناسبك.
4 نصائح لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في حياتك الشخصية بطريقة صحيَّة:
تكتسب عادات صحية لاستخدامك المهني لوسائل التواصُل الاجتماعي بطريقة أسهل عندما يكونُ استخدامك الشخصي لها خالياً من الإجهاد، دعنا نُلقي نظرةً على بعض النصائح لضمان اتِّباع نظام صحي لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في حياتك الشخصية.
1. أَبقِ نشاطكَ الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي شخصياً:
لا يخلُطُ معظمُ المهنيِّين على وسائل التواصل الاجتماعي بين حساباتهم المهنيَّة والشخصية، ومع ذلك يُمكِنُكَ حماية صحتك النفسية أكثر من خلال:
- وضع الحدود والحزم بشأن التوقُّف عن العمل في الوقت المُحدَّد، ومرة أخرى يُمكِنُكَ تأجيل الرد على إشعارات العمل.
- إلغاء متابعة الحسابات المُتعلِّقة بمجال عملك على صفحتك الشخصية أو الحد منها.
- تجنُّب المنصات المهنية مثل لينكد إن (LinkedIn).
2. نظِّم صفحتك الشخصية:
بخلاف الاعتقاد السائد؛ يُمكِنُنا مواجهة سلبية خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، وتتضمن بعض الطرائق ما يلي:
- التفاعُل المنتظم مع الحسابات المتعلقة باهتماماتك الشخصية وهواياتك.
- كتم الحسابات والكلمات التي من المُحتمَل أن تُجهدَك.
- الانتقائية بشأن مَن تتابعهم لتقليل السلبية في صفحتك.
3. خُذْ استراحات دورية من وسائل التواصل الاجتماعي:
يأخذ المزيد من المراهقين فترات راحة طوعية من وسائل التواصل الاجتماعي، والاستراحة لمدة أسبوع كامل شائعة جداً في الوقت الحالي.
مفهوم إزالة السموم الرقمية رائج جداً الآن، ومع ذلك هذا لا يعني أنَّه يجب عليك تدمير هاتفك والعيش وحيداً في حجرة منفصلة.
حدِّد أنت مدة الاستراحة التي تناسبك، وعليك التفكير في الاستراحات على أنَّها تحدٍّ مفيد. ابدأْ بيوم أو يومين ثم قيِّم النتائج، وقد تتفاجأ بما يحدث عندما تُوفِّر وقت فراغ.
4. أَعطِ الأولوية للنشاطات التي تحدُّ من وقتِكَ على وسائل التواصل الاجتماعي:
إنَّ ممارسة هوايات لا تتضمن وسائل التواصل الاجتماعي هي ميِّزة إضافية، وبخلاف الاعتقاد السائد فإنَّ مشاهدة قنوات نيت فليكس (Netflix) ليست هواية.
حاوِلْ أن تُبقيَ يديكَ وعقلَكَ مشغولَين، وسواء كان ذلك يعني الطهي أم الأعمال اليدوية أم ممارسة الرياضة فالأمر متروك لك. لا يضر الخروج من منطقة راحتك.
في الختام:
إنَّ إيجاد توازن صحي بين حضورك على وسائل التواصل الاجتماعي وعافيتك ليس بالأمر السهل دائماً، وقد تكون النصائح أعلاه نقطة انطلاق قوية.
نحنُ نحبُّ كل ما يتعلَّق بوسائل التواصل الاجتماعي، ولكنَّ صحَّتَك النفسية أهم من كل شيء، وهذا ينطبق تحديداً على المهنيين في هذا المجال.