تعدُّ القدرة على إنشاء ملفات تعريف دقيقة للعملاء في عصر التسويق المبني على البيانات الهدف الأسمى للشركات التي تعزِّز تجربة العملاء وتزيد المبيعات، فهي فتحت أحدث التطورات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لا سيَّما في معالجة اللغة الطبيعية كما يجسِّدها "تشات جي بي تي" (ChatGPT) آفاقاً جديدة في فهم سلوك المستهلك، وأظهرت تجربة حديثة قدرة الذكاء الاصطناعي على تحديد عادات الشراء لدى المستهلك من خلال عدد من إيصالات التسوق والتنبؤ بـ "سلة التسوق التالية" بدقة كبيرة.

كانت التجربة بسيطة ولكن معبِّرة، وقدَّمت خمسة إيصالات تسوُّق، تحتوي على مشتريات متنوعة، وبيانات أولية، ومن هذه البيانات، أنشأ "تشات جي بي تي" شخصية مفصَّلة ​​تلخِّص الخصائص الأساسية والخيارات المفضَّلة وخيارات نمط الحياة المحتملة للمتسوِّق، وكانت الإيصالات من سلسلة متاجر معروفة، وتضمَّنت عناصر تتراوح بين المنتجات الطازجة ومنتجات الأطعمة الفاخرة، ما يدلُّ على أنَّ المستهلك متذوِّقاً ومهتماً بالصحة.

قدرة الذكاء الاصطناعي على استخلاص المعلومات

إنَّ قدرة الذكاء الاصطناعي على استنتاج المعلومات من عادات التسوق واختيار المنتجات مذهلة.

صِف مستهلكاً، وليكن اسمه "كريس" بأنَّه شخص مهني يتراوح عمره بين 30 و45 عاماً يعيش في ألمانيا، ويبدو أنَّ كريس شخص يقدِّر المواد الغذائية الطازجة عالية الجودة، وعلى دراية باستخدام التكنولوجيا، كما يتَّضح من استخدامه للدفع الإلكتروني.

وتُشير المشتريات إلى شخص من المرجَّح أن يكون مثقَّفاً، ويستمتع بالطهو، ويعيش نمط حياة يوازن بين حياة مهنية حافلة بالعمل والعافية الشخصية، فمثل هذا التوصيف الدقيق باستخدام الحد الأدنى من البيانات ممكن بتجميع كميات هائلة من بيانات المستهلك العامة التي يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي" الوصول إليها وتحليلها، ومن خلال تحديد الأنماط والمقارنة مع نماذج سلوك المستهلك المعتادة، يتنبَّأ "تشات جي بي تي"  بالخيارات المفضَّلة الحالية للمستهلك، وباحتياجاته المستقبلية أيضاً.

إنَّ مفهوم "سلة التسوق التالية" يأخذ هذه الخطوة إلى الأمام، ومن خلال تحليل الأنماط في بيانات التسوق السابقة لكريس، تنبَّأَ "تشات جي بي تي" بالعناصر التي قد تكون موجودة في سلة التسوق التالية لكريس، ويتضمَّن هذا التنبؤ الأعشاب والتوابل الطازجة لشخص يستمتع بالطهو، والأجبان عالية الجودة، والحبوب الكاملة والبروتينات النباتية، ما يدلُّ على أنَّ "كريس" يتبع نظاماً غذائياً صحياً.

نظرة على ملف تعريف العميل الذي أعدَّه "تشات جي بي تي" بناءً على 5 إيصالات تسوق

الخصائص الأساسية

  • العمر: 30-45 سنة.
  • الموقع: ألمانيا.
  • الوظيفة: مهني، ربما يعمل لحسابه الخاص أو يشغل منصباً إدارياً.
  • الحالة الاجتماعية: من المحتمل أن يكون أعزباً أو متزوجاً ليس لديه أطفال.
  • التعليم : تعليم جامعي.

الخصائص النفسية

  • يقدِّر المنتجات الغذائية الطازجة وعالية الجودة.
  • يستمتع بالطهو وربما لديه نزعة لتجربة وصفات جديدة.
  • مهتم بالصحة، ولكنَّه يتناول أيضاً المنتجات الفاخرة.
  • لديه مهارة في التكنولوجيا، ويفضِّل الدفع الإلكتروني.
  • من المحتمل أن يكون دخله أعلى من المتوسط، كما يتَّضح من قدرته على الشراء المتكرر لمواد متنوعة.

عادات التسوق

  • يفضِّل التسوق من المتاجر المرموقة.
  • يتسوق عدة مرات في الأسبوع، ممَّا يشير إلى تفضيل المنتجات الطازجة.
  • يبدو أنَّه عضو في برنامج الولاء، مثل باي تشيك (PAYBACK)، ممَّا يشير إلى ميله لتوفير المال.
  • يشتري مزيجاً من العناصر اليومية والسلع الخاصة، ممَّا يدل على أنَّه يتبع نظاماً غذائياً متنوعاً وغنياً.
  • يختار أحياناً المنتجات العضوية، ممَّا يدلُّ على الوعي البيئي أو الصحي.

إنشاء ملفات تعريف دقيقة للعملاء باستخدام الذكاء الاصطناعي

مؤشرات نمط الحياة

  • يشتري المشروبات الكحولية وغير الكحولية، ممَّا يدلُّ على النشاطات الاجتماعية أو الاستضافة.
  • يشتري سلعاً فاخرة، ممَّا يدل على الذوق الرفيع.
  • قد يكون نباتياً يتناول الأسماك أو يتبع نظاماً غذائياً مرناً، نظراً إلى تنوع الخضروات والفواكه وأحياناً المأكولات البحرية في مشترياته.

الوسائط المستخدمة

  • من المحتمل أنَّه يستخدم التطبيقات والخدمات عبر الإنترنت بالنظر إلى استخدامه بطاقة باي تشيك الرقمية.
  • قد يتابع مدوَّنات الطعام أو مواقع الوصفات أو قنوات الطهو للحصول على الإلهام.
  • يستخدم المنصات الرقمية، وربَّما تطبيقات الهاتف المحمول من أجل قوائم التسوق أو البحث عن الوصفات.

الأهداف والتحديات

  • الهدف: الحفاظ على نمط حياة صحي واجتماعي.
  • التحدي: الموازنة بين المسؤوليات المهنية والاهتمامات الشخصية، مثل الطهو.

عند مقارنة الملف الشخصي الذي أنشأه "تشات جي بي تي" مع الفرد الحقيقي صاحب إيصالات التسوق، فإنَّ الدقة مذهلة، وعلى مقياس من 1 إلى 10، تبلغ الدقة 8، وهذا دليل على القدرات التحليلية القوية للذكاء الاصطناعي.

يُبرز هذا المستوى من الدقة إمكانات الذكاء الاصطناعي ليس فقط في إنشاء ملفات تعريف للعملاء؛ بل أيضاً في التنبؤ بسلوك المستهلكين بدقة، وهذا المستوى من الدقة التنبؤية ليس مجرد تجربة نظرية؛ بل له تطبيقات عملية في مجال البيع بالتجزئة والتسويق، فيمكن أن يؤدي فهم وتوقُّع احتياجات العملاء إلى تجارب تسوُّق مخصَّصة، ويمكن لتجَّار التجزئة استخدام هذه المعلومات لتخزين العناصر التي تتماشى مع توجهات المستهلكين، وتقديم عروض ترويجية موجَّهة، وحتى تصميم تخطيط المتاجر بما يتوافق مع عادات التسوُّق لدى عملائهم.

تقود الشركات الفكر من خلال عرض قدرة الذكاء الاصطناعي على إنشاء مثل هذه الملفات المفصَّلة والدقيقة، وتُظهِر التزامها باستثمار التكنولوجيا لتحسين فهم العملاء، ويعدُّ هذا العرض لقدرة الذكاء الاصطناعي شهادة على إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كيفية فهمنا لعملائنا وتفاعلنا معهم.

تأتي مسؤولية كبيرة مع القوَّة العظيمة بطبيعة الحال، وتلتزم التجربة التزاماً صارماً بمعايير الخصوصية، ممَّا يضمن عدم الكشف عن أية بيانات شخصية أو المساس بها، وإنَّها عملية موازنة بين تسخير البيانات لتقديم خدمة أفضل، والحفاظ على ثقة المستهلك من خلال حماية خصوصيته.

في الختام

يمثِّل استثمار الذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي" في إنشاء ملفات تعريف العملاء والتنبؤ بسلوكات التسوق المستقبلية قفزة نوعية في مجال التسويق المخصَّص، وتؤكِّد تجربة "سلة التسوق التالية" أنَّه عند استخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية، فإنَّه لا يُظهر القدرة على فهم احتياجاتنا الحالية فحسب؛ بل أيضاً على توقُّع رغباتنا المستقبلية، ممَّا يوفر تجربة تسوُّق أكثر تخصيصاً وإرضاءً.

ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نتوقَّع معلومات أدق، ممَّا يؤدي إلى علاقة أعمق بين الشركات وعملائها، وهذا ليس المستقبل، إنَّه الحاضر، وهو يغيِّر مشهد البيع بالتجزئة، خطوة تنبؤية تلو الأخرى.