تشهد قنوات التواصل الاجتماعي تغيُّراتٍ مستمرة، فقد كانت هذه القنوات سابقاً منبراً لإجراء الحوارات الجماعية، إذ كانت الشركات تنشر الروابط، والصور، والفيديوهات في فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام على أمل أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس وتزيد عدد الزبائن المحتملين والمبيعات.

حينما بدأ المسوِّقون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كقنواتٍ تسويقيَّةً أول مرة، كان المحتوى الموجود قليلاً والاهتمام ضعيفاً، وكان الناس مستعدين للضغط على كل ما يرونه في قوائم آخر الأخبار تقريباً.

لكن لاحقاً، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي ما يمكن أن نُسميه "صدمة محتوى"، وأضحى المحتوى الموجود في منصات التواصل الاجتماعي الآن أكثر من أن يستطيع الناس متابعته كله، وإذا لم يبدو المنشور مثيراً للاهتمام أو مفيداً لن يلتفتَ الناس إليه. لقد أضحى تلقِّي حركة بيانات قادمة من فيسبوك، وتويتر وغيرهما أصعب، ولم يَعُد الحصول على نقرات عملاً هيِّناً، فلم تَعُد وسائل التواصل الاجتماعي منبراً لاستعراض الأفكار.

لقد أضحت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم قنواتٍ تخاطب بضعة أشخاص - وشخصاً واحداً في أغلب الأحيان. إنَّ الشركات والمنظمات التي تنجح اليوم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هي تلك التي توفر لجماهيرها تجارب تلائم شخصياتهم مثل الخطوط الجوية الملكية الهولندية، وناسا، وأير بين أن بي.

ثمَّة عدة أسبابٍ جعلت مواقع التواصل الاجتماعي تتحول إلى منصاتٍ لتبادل الحوار، منها أنَّ:

وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة في بعض المواقف لكنَّها ليس دائماً كذلك:

يُنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي في أغلب الأحيان بوصفها حلَّاً لكل مشكلةٍ تسويقية. تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي مفيدةً بكل تأكيد في جوانب معيّنةٍ من التسويق، من ضمنها تعزيز شعبية العلامة التجارية، لكنَّ وسائل التواصل الاجتماعي قد لا تساعدك في تحقيق جميع الأهداف التجارية والتسويقية التي تسعى إلى تحقيقها.

يُعتقَد مثلاً بأنَّ وسائل التواصل الاجتماعي لم تَعُد بالنسبة إلى معظم الشركات أداةً رائعةً لتوجيه حركة بيانات إلى المواقع الإلكترونية. ربَّما كانت استراتيجية إرسال الرسائل التسويقية عشوائيَّاً عبر مختلف المنصات في الماضي طريقةً فعالةٍ لجذب الزوار، لكنَّها اليوم لم تَعُد كذلك. لا يُعَدُّ هذا - نظريَّاً على الأقل - أمراً سيِّئاً، لأنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أضحت قنواتٍ للتفاعل.

ظهرَت مع هذا التحول فرصٌ جديدة، مثل إمكانية تقديم خدمات مميزة للجمهور ومحاورته وجهاً إلى وجه، وهو أمرٌ تحاول مواكبته أبرز مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إنشاء منصات وتوفير ميزات مثل ماسنجر، وإنستغرام دايركت، ورسائل تويتر المباشرة.

يُعَدُّ التفاعل مرتبطاً أيضاً بالمحتوى الذي تنشؤه وتشاركه عبر منصات التواصل الاجتماعي. هل المحتوى الذي تقدمه مسلٍّ، أم مفيد، أم مميز؟ هل يشجع الجمهور على التفاعل؟ أم إنَّه أُنشئ فقط لتشجيع مستخدمي مواقع التواصل على زيارة موقعك الإلكتروني؟

يعتمد مستقبل مواقع التواصل الاجتماعي (وقد يقول بعض الناس ماضيها وحاضرها أيضاً) على تمتين علاقاتك مع جماهيرك من خلال إثارة تفاعلهم وعدم الاكتفاء بإرسال الرسائل التسويقية.

دعنا نعرف معاً لماذا قد يكون هذا التغيُّر صحيحاً:

4 أسباب تفسِّر لماذا يُعَدُّ التفاعل مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي:

  1. انخفاض القدرة على الوصول إلى الجمهور عن طريق الوسائل المجانية وجذب حركة بيانات عن طريق الإحالات (referral):

انخفضت في السنوات الأخيرة القدرة على الوصول إلى الجمهور عن طريق الوسائل المجانية المتاحة في وسائل التواصل الاجتماعي انخفاضاً كبيراً، إلى درجةٍ انخفضَت معها القدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كقنواتٍ لتوجيه حركة بيانات إلى المواقع الإلكترونية.

لقد أضحى عدد الأشخاص الذين تستطيع الشركات الوصول إليهم عن طريق الوسائل المجانية المتاحة في مواقع التواصل الاجتماعي أقل، وانخفضت حركة البيانات الواردة إلى المواقع الإلكترونية عن طريق هذه المواقع. حتى حركة البيانات التي مصدرها الإحالات القادمة من مواقع التواصل الاجتماعي انخفضت لدى الناشرين؛ وهي الشركات التي تعتمد اعتماداً كبيراً على هذه الإحالات. لقد عانى عديدٌ من أبرز الناشرين انخفاضاً في حركة مرور البيانات التي مصدرها الإحالات القادمة من فيسبوك - بلغَ 50% في بعض الحالات.

ومع ازدياد كمية المحتوى الذي يُقدَّم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ازدياداً يفوق كثيراً الكمية التي نستطيع متابعتها، انخفضت رويداً رويداً احتمالية أن تُرى المنشورات التي تُنشَر في وسائل التواصل الاجتماعي.

إليك هذه العملية الحسابية البسيطة: إذا نشر المستخدمون ونشرت العلامات التجارية 10 مليون منشور يوميَّاً، وتابع مستخدمو جميع وسائل التواصل الاجتماعي مجتمعين مليون منشورٍ يوميَّاً فقط، ستبلغ فرصة متابعة المنشور الواحد 10%. إذا تجاوز عدد المنشورات يوميَّا 100 مليون منشور في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وبقي المستخدمون يتابعون مليون منشورٍ يوميَّاً فقط، سيبلغ احتمال متابعة المنشور الواحد في هذه الحالة 1% فقط.

في الحقيقة، كلما ازداد عدد المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، انخفضت بشكلٍ طبيعي إمكانية الوصول إلى المستخدمين بواسطة الطرق المجانية المتاحة.

لقد وجدت دراسةٌ أجرتها شركة "أوجيلفي" (Ogilvy) أنَّ القدرة على الوصول إلى الجمهور عن طريق الوسائل المجانية المتاحة في فيسبوك انخفض إلى 6% فقط في عام 2014.

متوسط قدرة إيصال المحتوى الذي تنشره صفحات العلامات التجارية في فيسبوك إلى الجمهور عن طريق الوسائل المجانية المُتاحة:

جميع الصفحات

الصفحات التي فيها أكثر من 500 ألف معجب

أُجريَ هذا التحليل على أكثر من 100 ألف صفحة فيسبوك حول العالم تمتلكها علامات تجارية يبلغ عدد متابعيها الكلي أكثر من 48 مليون شخص.

لقد انخفضت هذه النسبة أكثر على الأرجح بعد أن غيَّر فيسبوك خوارزميته لمنح الأولوية للمنشورات التي يشاركها أفراد العائلة والأصدقاء عوضاً عن منحها لتلك التي تشاركها الصفحات. ومع تزايد عدد المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي تفقد هذه الوسائل قدرتها على العمل قناةً لتوجيه حركة بيانات إلى المواقع الإلكترونية.

يقول "مايكل ستيلزنر" (Michael Stelzner)، المدير التنفيذي لشركة "سوشال ميديا إكزامينر" (Social Media Examiner) ومؤسِّسها: "على مدى سنوات، انخفضت كثيراً حركة البيانات الواردة إلى المواقع الإلكترونية. مكمن التحدي هو أنَّ المحتوى لم يَعُد يصل إلى الجمهور ويحظى بالمتابعة، ويجب علينا أن نتقبَّل هذه الحقيقة".

يجب علينا التأقلم مع هذا.

  1. صعود التراسل باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي (وروبوتات الدردشة):

على الرغم من أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي كانت المنصات المهيمنة على عالم الإنترنت خلال السنوات الـ 5-10 الماضية، إلَّا أنَّ تطبيقات التراسل الاجتماعي (تطبيقات التراسل التي أُلحقَت بمنصات التواصل الاجتماعي) تنمو نموَّاً أسرع بكثير من نمو منصات التواصل الاجتماعي، فوفقاً لتقريرٍ أعدَّته مجلة "بيزنس إنسايدر" (Business Insider)، يفوق اليوم عدد الأشخاص الذين يستخدمون أبرز أربعة تطبيقات تراسل عدد الأشخاص الذين يستخدمون أبرز أربعة تطبيقات تواصل اجتماعي.

يفوق عدد المستخدمين النشطين الذين يستعملون شهريَّاً أبرز أربعة تطبيقات تراسل اجتماعي عدد نظرائهم من مُستخدمي أبرز أربعة تطبيقات تواصل اجتماعي.

أكبر أربعة تطبيقات تراسل

أكبر أربعة تطبيقات تواصل اجتماعي

المصدر: شركات وخدمة بيزنس إنسايدر إنتلجنس.

 

توقَّعت شركة الاستشارات الاستراتيجية "أكتيفيت" (Activate) أنَّ 1.1 مليار شخصاً إضافيَّاً سيستخدمون تطبيقات التراسل بحلول عام 2018، ما يعني أنَّ عدد الأشخاص الذين يستخدمون تطبيقات التراسل سيفوق بمرة ونصف عدد مستخدمي تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.

يدل صعود تطبيقات التراسل الاجتماعي على تحوُّل سلوكات الناس وميولهم - وتوجههم نحو عمليات التواصل ذات الطابع الشخصي والتي تُعقَد وجهاً إلى وجه. لم يَعُد الناس حينما يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي يفكرون فقط في المنشورات المعروضة في قوائم آخر الأخبار، بل يفكرون أيضاً في التواصل مع الشركة من أجل الحصول على الدعم عن طريق تويتر، أو تلقي معلوماتٍ في الوقت المناسب، أو طلب المنتجات عن طريق روبوتات الدردشة في ماسنجر.

تُعَدُّ الخطوط الجوية الملكية الهولندية في طليعة الشركات التي تبنَّت هذا التغيير، إذ إلى جانب نشر محتوى مثير للاهتمام في قنواتها التي تخاطب من خلالها عدداً كبيراً من الجماهير، اهتمَّت الشركة اهتماماً كبيراً بالقنوات التي تخاطب الأفراد شخصيَّاً:

  • لديهم أكثر من 200 عميل يردُّون على الأسئلة التي تُطرَح في وسائل التواصل الاجتماعي بـ 14 لغة مختلفة على مدار الساعة.
  • لقد طوَّرت الشركة روبوت دردشة يرسل عبر تطبيق ماسنجر رسائل إلى المسافرين تتضمَّن بطاقات الصعود إلى الطائرة، ومعلوماتٍ عن الرحلات، وآخر الأخبار. يستطيع المسافرون أيضاً الحصول على الدعم وإرشادات السفر عن طريق الماسنجر مباشرةً وعلى مدار الساعة.
  • تقدِّم الشركة الدعم للزبائن عن طريق برنامجَي "ويتشات" و"كاكو توك"، وهما اثنين من أكثر تطبيقات التراسل الاجتماعي شعبيَّةً في آسيا.

من خلال التفاعل مع الجمهور عبر كلٍّ من قنوات المخاطبة الجماعية والفردية، تمكَّنت الشركة من كَسب قيمةٍ تجاريَّةٍ هائلة. على سبيل المثال، ساعدَت الجهود التي بذلتها الشركة في وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة "صافي مؤشر الترويج" (Net Promoter Score) من 35 في عام 2015 إلى 43 في عام 2016، وهو أعلى مستوىً بلغه.

تضيِّع الشركات التي تكتفي بنشر محتوى تسويقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي فرصة تقديم خدمات حقيقية للزبائن، وقد يُنظَر إليها بوصفها شركاتٍ قديمة الطراز.

  1. استخدام الأشخاص وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع العلامات التجارية:

وجد موقع "سبراوت سوشال" (Sprout Social) أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تُعَدُّ أول مكانٍ يلجأ إليه معظم الناس للحصول على الدعم. يستخدم مزيدٌ من الناس وسائل التواصل الاجتماعي لتلقِّي الدعم من العلامات التجارية، إذ ارتفع متوسط عدد الرسائل التي احتاجت إلى ردٍّ من العلامات التجارية بنسبة 18% بين عامَي 2015 و2016.

 

أبرز الخيارات التي اتَّخذها الزبائن للحصول على الدعم

الربع الأول من عام 2016

وسائل التواصل الاجتماعي.

المواقع الإلكترونية/الدردشة المباشرة.

البريد الإلكتروني.

رقم 1-800.

المتجر.

لا يستخدم الناس قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة مثل ماسنجر ورسائل تويتر المباشرة للتواصل مع الشركات طلباً للمساعدة وحسب. إذا ألقيتَ نظرةً على صفحة أير بي أن بي في فيسبوك ستلاحظ أنَّ المستخدمين يُعلِّقون على منشوراتها طلباً للمساعدة أيضاً (وأير بي أن بي تبلي بلاءً رائعاً بالرد عليهم ومساعدتهم).

ثمَّة فوائد تجنيها الشركات من خلال مساعدة الزبائن عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، إذ وجدت "سبراوت سوشال" أيضاً أنَّ التجاوب مع الزبائن عبر وسائل التواصل الاجتماعي يشجعهم على شراء منتجاتك، بينما يؤدي تجاهلهم إلى انخفاض ولائهم لعلامتك التجارية.

في الوقت نفسه، أضحى تقديم المساعدة للزبائن عبر وسائل التواصل الاجتماعي أسهل. ومن أجل مجاراة هذا التوجُّه، تعكف منصات التواصل الاجتماعي على تطوير مزيدٍ من أدوات خدمة المستهلك لتساعد الشركات في الرد على المستهلكين:

يجب على الشركات أن تغير طريقة تعاملها مع وسائل التواصل الاجتماعي، وألَّا تكتفي بنشر المحتوى. يجب عليك أن تقف إلى جانب الزبائن وأن تساعدهم حينما يطلبون المساعدة.

  1. إيلاء الخوارزميات الأولوية للتفاعل:

إلى جانب إثارة تفاعل الزبائن عن طريق خدمتهم وإجراء الحوارات الشخصية معهم، يعتمد التفاعل أيضاً على نوعية المُحتوى الذي تُقدِّمه. هل يُثير المحتوى من التفاعل ما يكفي لحث الجمهور على تقديم ردود إيجابية؟

حتى يصل المحتوى إلى الجمهور ويلقى صوتك أذاناً صاغيةً لديهم (باستخدام الوسائل المجانية المتاحة)، أنت في حاجةٍ إلى إنشاء محتوى يثير تفاعلهم. يؤثِّر عدد التفاعلات التي تحظى بها منشوراتك في وسائل التواصل الاجتماعي في عدد الأشخاص الذين يرونها.

إذا تفاعل عديدٌ من الناس مع المنشور، ستتعامل خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي مع هذا التفاعل بوصفه إشارةً تَدلُّ أنَّ المنشور مثيرٌ للاهتمام، ومن المُحتمَل أن تعرض هذا المنشور على مزيدٍ من الأشخاص.

في المقابل، إذا كانت التفاعلات مع المنشور قليلة (أو إذا تلقى المنشور عديداً من التفاعلات السلبية، كإخفاء المنشور في فيسبوك)، ستفترض خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي أنَّه ممل، أو غير مناسب، أو غير مفيد، ولن تعرضه على عددٍ كبيرٍ من الناس. إذاً كلما زادت التفاعلات الإيجابية مع منشوراتك ازداد عدد الأشخاص الذين تصل إليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إذا كان الهدف النهائي هو جذب حركة بيانات، أو الحصول على عملاء محتملين، أو تحويل العملاء المحتملين إلى زبائن، من المحتمل أن تستطيع إحراز مزيد من مثل هذه النتائج. وجدت دراسةٌ أجراها موقع "سوشال بيكرز" (Socialbakers) شملت 30 ألف منشوراً شاركتها أكثر من 2700 شركة أنَّه كلما ازداد التفاعل مع الصفحة ازدادت حركة البيانات الواردة إلى موقعها الإلكتروني.

الزيارات والتفاعلات

الزيارات الكلية

التفاعلات الكلية مع منشورات الصفحة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

10 أيلول

25 أيلول

10 تشرين الأول

26 تشرين الأول

10 تشرين الثاني

25 تشرين الثاني

 

قيمة التفاعل:

يُعتقَد بأنَّ الشركات لم تَعُد تنضمَّ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لأنَّها تراها مصدراً فعالاً للإحالات أو قنواتٍ لجني العائدات بشكلٍ مباشر، بل السبب الأساسي لتواجدها في مواقع التواصل الاجتماعي هو بناء علامةٍ تجاريَّةٍ عن طريق التفاعل.

تعزز عديدٌ من الشركات علاماتها التجارية بالفعل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، في حين تساعد بعض الشركات (مثل الخطوط الجوية الملكية الهولندية، وستارباكس، ونايكي) زبائنها في حل مشاكلهم بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تنشر شركاتٌ أخرى محتوىً يثير إعجاب جمهورها وتطور علاماتها التجارية من خلال الدعاية التي يقوم بها المتابعون الحاليون، والمؤثرون، وإعلانات وسائل التواصل الاجتماعي. إذا ألقيت نظرةً على حسابات علاماتٍ تجارية مثل "دينيس"، و"أوريو"، و"جو برو" ستلاحظ كيف تستخدم محتوياتها لتعزيز صورة العلامة التجارية عوضاً عن توجيه المعجبين إلى مواقعهم الإلكترونية أو بيع المنتجات بيعاً مباشراً.

تقول "هانا بيلبل" (Hannah Pilpel)، مديرة مشاريع وسائل التواصل الاجتماعي في موقع (MADE.COM): "تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة لنا طريقةً لتعزيز الثقة بالعلامة التجارية من خلال إظهار شخصيتنا. لذا تفاعَل معهم، وأثِر الإلهام في نفوسهم، وأجِب عن أسئلتهم بسرعة".

لكن لماذا يُعَدُّ بناء العلامة التجارية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مهمَّاً إلى هذا الحد؟

رحلة الزبائن مع معظم الشركات ليست رحلةً ذات مسارٍ مستقيم:

من النادر أن ينتقل معظم الزبائن من صفحة فيسبوك إلى الموقع الإلكتروني ثمَّ إلى نقاط البيع. ربَّما تصف الخطوات الآتية الرحلة التي يخوضها الزبون مع الشركة وصفاً أفضل:

  • يسمع شخصٌ ما عن المُنتَج من صديق.
  • في اليوم نفسه، يرى الزبون المنشور الذي نشرتَه في صفحة فيسبوك، ويستمتع بمحتواه، ويُعلِّق عليه.
  • في الأسبوع التالي، يبحث الزبون عبر جوجل عن منتجٍ تبيعه، ويظهر موقعك الإلكتروني في الصفحة الأولى من نتائج البحث.
  • يتعرف الزبون إلى علامتك التجارية، ويرسل إليك عبر تغريدةٍ سؤالاً عن المُنتَج.
  • تَرُدَّ أنت عليه فوراً، فيقرر أن يطلب المُنتَج من موقعك الإلكتروني.

(قد يكون هذا سيناريو مُبسَّط جدَّاً للرحلة التي يخوضها الزبون فعلاً مع الشركة).

وجدَت دراسةٌ أجراها موقع "سبراوت سوشال" أنَّ 85% من الناس يشاهدون المُنتَج أكثر من مرة في وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يشتروه. لكنَّهم سيُلغون المتابعة أيضاً إذا بالغتَ في إرسال الرسائل الترويجية.

التصرفات التي تدفع الأشخاص إلى إلغاء متابعة العلامة التجارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي

الربع الثاني من عام 2016

النسبة المئوية لعدد الردود

المبالغة في إرسال الرسائل الترويجية.

المبالغة في نشر التغريدات.

الخمول المبالغ فيه.

تقديم معلومات غير مناسبة.

استعمال لغة أو مصطلحات لا تناسب العلامة التجارية.

عدم الرد على الزبائن.

من خلال التفاعل مع الزبائن عن طريق توفير الدعم لهم في الوقت المناسب، وإجراء حوارات شخصية معهم، وتقديم محتوى مفيد أو مثير للاهتمام، تستطيع تعزيز صورة علامتك التجارية. حينما يقرر الزبائن بعد ذلك إن كان يجب عليهم شراء المُنتَج أو الاستمرار في شرائه، تستطيع هذه القيمة التي تحظى بها العلامة التجارية أن تساعدك في كَسبهم، وهذا ما تثبته الأبحاث.

يعزز التفاعل مع وسائل الإعلام ولاء الزبائن:

درس مجموعةٌ من الباحثين الأمريكيين تفاعل المستهلكين مع علاماتهم التجارية المفضلة وعلاقتهم بها، ووجدوا أنَّ المستهلكين الذين يتفاعلون مع علاماتهم التجارية المفضلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمتلكون علاقاتٍ مع تلك العلاقات أقوى من التي يمتلكها المستهلكون الذين لا يتفاعلون مع علاماتهم التجارية المفضلة.

يُعَدُّ المستهلكون الذين يتفاعلون مع علاماتهم التجارية المفضلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر ميلاً إلى:

  • تقييم العلامات التجارية تقييماً جيداً.
  • الحفاظ على الولاء للعلامة التجارية.
  • تزكية العلامات التجارية أمام الآخرين.

حينما يثق المستهلكون بالعلامة التجارية، سيكون كلٌّ منهم أكثر ميلاً إلى تقديم عنوان بريده الإلكتروني، والمشاركة في الندوات التي تقيمها عبر الإنترنت، وشراء منتجك حينما تطلب منه ذلك. يُعَدُّ هذا هو السبب الذي يدفع شركةً مثل "ميل شيمب" (MailChimp) إلى الاهتمام بالتسويق لعلامتها التجارية إلى هذا الحد. لقد جعلت الجهود التي بذلوها في التسويق للعلامة التجارية الناس ينحازون إلى "ميل شيمب" حينما يختارون منصة تسويق باستخدام البريد الإلكتروني ويفكرون فيها أوَّلاً.

قد يبدو التسويق للعلامة التجارية أمراً جيداً، لكن…

ماذا عن مقاييس العائد على الاستثمار مثل العملاء المحتملين والمبيعات؟

نعم، تُعَدُّ هذه المقاييس مهمَّةً أيضاً. يسعى المسوُّقون وتسعى الشركات دائماً إلى التأكُّد من جدوى الأوقات، والجهود، والموارد التي يبذلونها في وسائل التواصل الاجتماعي. وفقاً لموقع "سيمبلي ميجرد" (Simply Measured) يناقش 78% من المسوِّقين الذين يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي العائد على الاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي مع مديريهم، و42% منهم يعقدون نقاشاتٍ كهذه في كثيرٍ من الأحيان.

كم مرَّةً تتناقش مع المدير حول العائد على الاستثمار؟

في كثيرٍ من الأحيان.

نادراً.

لا أتناقش أبداً.

إذا كان العائد على الاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي يُعَدُّ مهمَّاً لك وللشركة، تستطيع مراقبة النتائج القابلة للقياس مباشرةً في أثناء تركيز الاهتمام على تعزيز صورة العلامة التجارية في وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق التفاعل.

ثمَّة عديدٌ من الطرائق التي تستطيع من خلالها قياس هذه النتائج مثل "جوجل أناليتكس"، و"فيسبوك أناليتكس"، و"فيسبوك آدس مانجر" إذا كنت تستخدم إعلانات فيسبوك. مع تطوير منصات التواصل الاجتماعي أيضاً مزيداً من ميزات التسوُّق مثل "دبابيس بينترست القابلة للشراء" (Pinterest’s Buyable Pins) و"إنستغرام شوبينغ" (Instagram shopping)، سيكون ثمَّة على الأرجح عمليات تحليل أدق تُظهر القيمة المالية التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي.

إليك بضعة أمثلة تبيِّن كيف تقيس الشركات العائد على الاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي وفقاً لشركة "إي كونسيلتنسي" (Econsultancy):

  • بحثَت شركة "الخطوط الجوية الملكية الهولندية" عن المبيعات التي جنَتْها من الزبائن الذين زاروا موقعها الإلكتروني قادمين مباشرةً من وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدَت أنَّ هؤلاء الزبائن ساهموا بقيمة 25 مليون يورو من مبيعاتها في عام 2014.
  • قدَّرَت شركة "بريتش تيليكوم" قيمة الأموال التي وفَّرتها نتيجة تقديم الدعم للزبائن عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي بـ 2 مليون جنيه استرليني سنويَّاً، لأنَّ توفير الدعم للزبائن عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أرخص من توفيره عبر الهاتف.
  • وازن موقع (COM) متوسط قيمة الطلبات المُقدَّمة من أشخاصٍ زاروا الموقع الإلكتروني عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مع متوسط قيمة المُقدَّمة عن طريق الموقع، ووجد أنَّ جمهورهم في وسائل التواصل الاجتماعي أنفقوا في الطلب أموالاً أكثر بمقدار 4% وسطيَّاً.
  • درَّبَت شركة "إنكونتاكت" (Incontact) نصف مندوبي المبيعات لديها على البيع عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدَت أنَّ تدفقات المبيعات (sales pipeline) القادمة عن طريق هؤلاء ازدادت بنسبة 160%، وأنَّهم أحرزوا عائداتٍ بلغَت نسبتها 215% موازنةً مع المندوبين الذين لم يتلقَّوا التدريب.

من المهم أن تتذكَّر حينما تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي قناةً للتفاعل مع الجمهور وتعزيز صورة العلامة التجارية، أنَّك قد لا تحصل على عديدٍ من العملاء المُحتملين أو المبيعات مباشرةً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، لكنَّ ذلك قد يحصل بشكلٍ غير مباشر.

قد يكتشف شخصٌ ما مثلاً علامتك التجارية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد أسبوع قد يعثر عليها في جوجل ويشتري منك. يُعزى الفضل دائماً في إجراء عملية الشراء إلى جوجل، بينما تساعد أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير حقيقةً في اتخاذ قرار الشراء. باستخدام أدوات مثل "القنوات في المسارات متعددة القنوات" (Google Analytics’ Multi-Channel Funnels) أو الأدوات المميزة لإجراء عمليات التحليل في وسائل التواصل الاجتماعي تستطيع تقويم مدى قدرة أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي على المساعدة بشكلٍ غير مباشر في الحصول على عملاء محتملين ومبيعات.

مجموعة القنوات في المسارات متعددة القنوات

عمليات التحول المدعومة

  1. القنوات المباشرة.

 

  1. طرق الوصول إلى الجمهور عبر الطرائق المجانية المتاحة.

 

  1. الإحالات.

 

  1. أخرى.

 

  1. وسائل التواصل الاجتماعي.

 

  1. البريد الإلكتروني.

 

تتغير سلوكات الناس وتوقعاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار، وحتى منصات التواصل الاجتماعي نفسها تتكيَّف لتلبي هذه التغييرات. إذا أردتَ النجاح في وسائل التواصل الاجتماعي، أعتقد بأنَّ هدفك الأول يجب أن يكون بناء العلامة التجارية. يجب عليك أن تركز الاهتمام على الجانب الاجتماعي في وسائل التواصل الاجتماعي وأن تثير تفاعل الجمهور؛ فما رأيك؟